الحركات الإسلامية، نجم مضيء أم غيمة سوداء في سماء الربيع العربي؟

هبّت رياح التغيير على العالم العربي, حاملة في جوفها مفاجئات عدة, كان أبرزها صعود نجم الحركات الإسلامية. يبدو أن الربيع العربي قد مثّل طوق النجاة للحركات الإسلامية ومنحها فرصة جديدة لتقدم نفسها للمجتمعات العربية و تسهم في تشكيل واقع جديد يكسب هذه الانتفاضات معنى الثورة الحقيقية القادرة على التغيير.

قبل التحدث عن صعود الحركات الاسلامية لابد لنا أن نبدأ بتعريفها: هي حركات إصلاحية أو ثورية ظهرت بعد انهيار الخلافة الإسلامية استنادا إلى مرجعية إسلامية وتطرح غالبًا برامج سياسية تقوم على تطبيق الشريعة الإسلامية بهدف إعادة توحيد الأمة الإسلامية. هذا و يجدر بالذكر أنّ من أبرز الحركات الإسلامية التي ظهرت هي جماعة الإخوان المسلمين التي تمارس الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعبدية ،والحركة الصوفية التي يقتصرنشاطها على العبادة ،و جماعة التبليغ التي تجمع بين العبادة والدعوة ، وهناك أيضا حركة التيار السلفي وحزب التحرير الإسلامي.

بدأت الحركات الإسلامية في اكتساب مساحات تعبير جديدة لم تكن لتقوى على كسبها لولا المناخ الثوري والسياسي الجديد، فظهرت على المنابر شخصيات جديدة في المشهد السياسي تمثل هذا التيار الإسلامي المتنامي . لنأخذ على سبيل المثال حركة الإخوان المسلمين التي أنشأها الشيخ حسن البنا عام 1928م في مصر، والتي تعتبر من أقدم فصائل الحركة الاسلامية الحديثة. استطاعت هذه الحركة دخول ساحة المعترك السياسي المصري بقوة من خلال عدد المقاعد التي فاز بها الاخوان المسلمون في البرلمان المصري. وفي تقرير نشره موقع وكالة الأنباء رويترز نُوِّه بأن البرلمان المصري انتخب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد تضمّ كتلة كبيرة من الاسلاميين احتلّت حوالي نصف المقاعد بعد زمن طويل من حظر نشاط مثل هذه الحركات طوال عهد الرئيس السابق حسني مبارك. و ذكر مراسل الجزيرة سعد السعيدي أن الاسلاميين حصلوا على 21 مقعدا من أصل 50 مقعدا، فيما حصدت المعارضة ثلثي المقاعد…”

ولعل أحد أهم أسباب ظهورالحركات الاسلامية هو الحاجة لوجود وجوه جديدة تعبر عن مرحلة جديدة ،ومن الطبيعي أن تكون تلك الوجوه من مثل التيار الإسلامي نظرًا لابتعادهم القسري فترات طويلة عن كراسي البرلمان وأجهزة الدولة. أضف إلى ذلك انعدام الرقابة القوية حاليًّا من قبل أجهزة الأمن والشرطة السرية التي كانت تراقب كل حركات وسكنات الإسلاميين وتمنعهم من ممارسة أي نشاط فعال. أخيرًا يمكن أن نضيف إلى الأسباب رغبة الحركات الاسلامية دخول المعترك السياسي والتأثير على مجرى الأحداث في فترة سياسيّة تفسح مجالًا واسعًا لكل من يشاء أن يجرّب حظّه و يحاول إثبات كفاءته لقيادة البلاد في مثل هذه المرحلة الحرجة.

دعم المجتمع المصري لهذه الحركات الجديدة جاء كنتيجة مباشرة لسنوات طويلة احتكر فيها التيار العلماني المنفتح منصّات الحكم وحصد الأكثرية في البرلمان المصري، لكن ذلك كان مترافقًا مع عجزه عن الوفاء بوعوده والالتزام بمشاريعه الانتخابية مما خلف نسب كبيرة من الفقر وضعف التنمية وتراجع حقوق الأفراد.

لم تكن التيّارات الإسلامية لتصل إلى ما وصلت إليه حاليًّا لولا دعم الشارع المصري – ذو الخلفيّات الإسلامية الغالبة و القوية – لهم, فغالبية الشعب المصري هي من المسلمين مع أقليّات مسيحية. هذه النقطة في غاية الأهمية، فلولا هذه النسبة لما برزت و نجحت الحركات الاسلامية في مصروغيرها من البلدان العربية.

و من ناحية أخرى فقد رفض الكثيرون هذا الصعود المتنامي للحركات الإسلامية و وقفوا موقفًا معارضًا لهم. و بهذا الخصوص فقد قالت الكاتبة روز يوسف في موقع البلتاجي:” قرر الاخوان أن يسيروا فى طريق تحقيق مصالحهم دون الالتفات لما يحدث” هذا و قد أعلنت الأحزاب الليبرالية و الاشتراكية، والناصرية انسحابها من الجمعية التأسيسية قائل إنّ تمثيل الاسلاميين الغالب على الجمعية لا يرجح معه وضع دستور لدولة مدنية وأن تشكيل الجمعية يعبر عن “طغيان أغلبية الاسلام السياسي.” و أضاف حزب الكرامة العربية (ناصري) أنه انسحب أيضًا من تحالف انتخابي مع الإخوان المسلمين. تظاهر كذلك حوالي ألفي شخص أمام مركز المؤتمرات الذي عقدت فيه الجلسة المشتركة لمجلسي البرلمان لانتخاب أعضاء الجمعية، ورددوا هتافات منها “الدستور لكل المصريين مش بس إخوان وسلفيين.”

ها قد دخلت حركة الإخوان المسلمين في مصر مرحلة جديدة، ألغت فيها العمل المسلح كوسيلة للتغيير السياسي من حساباتها و حصرت وسائل تغيير الحكومة و المجتمع في النضال السياسي السلمي و العمل الإجتماعي الخدمي و العمل الثقافي و الإعلامي, و سرعان ما خاضوا إنتخابات مجلسي الشعب و الشورى و المجالس المحلية .

ليس من المستبعد أن نرى في المستقبل القريب حركات اسلامية في بعض الدول كسوريا ولبنان والأردن تطمح للمزيد من السلطة فالظروف الآن شبه مؤاتية كي تتبوأ هذه الحركات مراكز عليا في السلطة.

إن صعود الإسلاميين هو بمثابة اختبار حقيقي لمدى جديتهم في الإصلاح والتجديد، فقد ظلوا سنوات طويلة قابعين في الظل، ومطالبين بالمشاركة في الحياة السياسية، وها هي الفرصة قد أتتهم على طبق من فضة ليبقى السؤال هل سينجحوا ويكسبوا ثقة الشعوب أم أنهم سيخذلون ما تبقى من أمل في نفوس الشعوب العربية المتعطشة للتغيير؟ فالمعوقات كثيرة و هناك كم هائل من الفساد والمحسوبية في كل مفاصل الدولة، مما يعني أن التحدي ليس سهلًا. فهل سنرى نجاحا كبيرًا أم فشلا ذريعًا؟ سنعطي الفرصة للأيام القادمة أن تكون الفيصل و الحكم, و لنمنح الأحزاب الإسلامية فرصتها الذهبية و ننتظر ردّها و من ثم نحكم عليها.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM