من فلسطين إلى الإمارات عبر روسيا: رحلة بحث فلسطينيّ على جواز بديل

محمد الحمارنة، وزوجته تاتيانا كيريلوفا في دبي، الإمارات العربية المتحدة. 3 نيسان (أبريل) 2022. (حلا حرب)
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في شباط (فبراير) الماضي، انتهت ملامح الاستقرار الدائم في روسيا لدى عائلة المهندس الفلسطيني الأصل محمد الحَمارنة، والذي وُلد ونشأ في الإمارات، وتخرّج من مصر، وتزوّج من روسية، وانتقل للعيش في روسيا بحثاً عن جواز سفر آخر، يسهّل عليه التنقل دولياً. حيث قرّر هو وزوجته أن يعودا مع طفلهما الوحيد جميل إلى الإمارات خوفاً من تطوّر الأزمة، وضماناً للاستقرار.
وكان من المقرر أن تعود عائلة الحمارنة للاستقرار في الإمارات بعد حصوله على الجواز الروسي، إلّا أن الأحداث التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا، جعلت هذه الخطوة تحدث بوقت أبكر ومفاجئ. وروى الحمارنة، “كان يجب أن آتي أولاً إلى الإمارات، لأؤمّن العمل والمنزل، ومن ثم أطلب منهم القدوم، وكنا مقتنعين أن الإمارات أفضل لنا كعائلة، فأبوظبي مثلاً تعدّ المدينة الأكثر أماناً في العالم”.
وعلّقت زوجة الحمارنة، تاتيانا كيريلوفا (32 سنة)، “جاء القرار مفاجئاً خلال 5 أيام، فنحن نبعد عن الحدود الأوكرانية حوالي 500 كم فقط، ولم نشعر أن الوضع آمن بسبب القلق الذي شاهدناه في الأخبار، وفي حال حدوث أي شيء، تعتبر المسافة قريبة جداً”.
وأردفت، “لم أرد أن أختبر أنا أو عائلتي أي آثار للحرب، حيث فقط شعرنا بالأزمة الاقتصادية، لذلك قررنا العودة إلى الإمارات خوفاً من أن تتأزم الأمور فجأة، وحينها كان من الممكن أن يُطلب محمد لخدمة الجيش كونه مواطناً روسياً الآن”.
وعن خيار مجيء الحمارنة قبل مجيء زوجته وطفله إلى الإمارات، أجاب، “لم أستطع تركهم هناك لتأمين الأمور بسبب الأوضاع، ومن أجل أمان العائلة، غير أننا خفنا أن يُعيدوا إغلاق المطارات مثلما حدث في أزمة كورونا”.
“كان هدفي أن أعامَل على مَن أكون، دون التقيد بأوراقي الثبوتية، التي كانت كثير من الدول لا تتعرف عليها بالأصل”. حيث عاش الحمارنة (34 سنة) معظم حياته في الإمارات، وانتقل لتلقي دراسته الجامعية في مصر في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، في كلية الهندسة، وعاد للعمل في الإمارات بعدها في شركة مقاولات. ومنذ أن كان عمره 13 سنة، بدأت العراقيل تواجهه بسبب أوراقه الثبوتية، حيث كان يحمل جواز السلطة الفلسطينية؛ فقد ذكر الحمارنة، “كان يُعرض عليّ اللعب مع نوادي كرة سلة بسبب طولي، إلا أن السبب الذي كان يمنعني هو أوراقي الرسمية”.
ويعتبر جواز السلطة الفلسطينية، جواز تُصدره السلطة الوطنية الفلسطينية لتسهيل عملية السفر الدُولية للفلسطينيين ويُمنح لمواطنين الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن هناك دول سافر إليها الحمارنة لم تتعرف عليه بسهولة، وعن ذلك قال، “كنت أتأخر عن باقي المسافرين لمدة ساعة تقريباً، حتى يتعرفوا على جواز السلطة الذي أحمله، واختبرتها في أكثر من دولة ومنها تايلند وإندونيسيا”.
وأردف الحمارنة، “حتى عندما كان يتم التعرف على أوراقي، كنت أتعرض لتحقيق مفصّل عن سبب زيارتي، ومكان إقامتي، والمدة التي سأقضيها في الدولة، وهذا غير المعاناة في الحصول على تأشيرة سفر لأي دولة”.
وفي إجابته عن النتيجة التي وصل لها من خلال العيش بوثيقة تعتبر ضعيفة دولياً، أجاب الحمارنة، “معاناتي بالجواز الفلسطيني جعلتني أعاني بأكثر من شيء، وأتعبتني فكرة التقيد بأوراق ثبوتية لتحديد وجهتي، ولذلك اتجهت لفكرة الحصول على جواز آخر”.
وفي 2015، التقى الحمارنة صدفة بزوجته كيريلوفا، والتي أتت من روسيا للعمل في الإمارات، وعاشا قصة حب كُلّلت بالزواج في 2018.
ولم يكن زواج كيريلوفا والحمارنة سهلاً، نسبة للمفارقات الاجتماعية التي أتوا منها، خصوصاً عائلة الحمارنة التي كانت متحفظة بعض الشيء تجاه زواجهم، بسبب الاختلافات الثقافية بين روسيا وفلسطين، مما أخذ من الحمارنة فترة 9 أشهر لإقناع عائلته بالفكرة.
وعّلقت كيريلوفا، “لم يكن لدي مشكلة بانتظاره، لأنه كان صريحاً معي منذ البداية وكان من المتوقع أن يرفضوا بالبداية، إلا أنه لم يستسلم”.
وعن تعايشهم مع الاختلافات التي نشؤوا عليها، قالت كيريلوفا، “لم يكن لدى عائلتي أو لدي أي مشكلة، ولم يهمني دينه المختلف، ولا أصله ولا شيء عنه، ما همني بالفعل كانت شخصيته، واستطعنا الوصول لنقطة تفاهم ترضينا نحن الإثنين”.
وخلال عامين من الزواج، كان الحمارنة يفكر في دولة يسافر لها للحصول على جواز سفر آخر، وبيّن أنّ روسيا لم تكن خياره الأول، “كانت وجهتي الأولى أميركا، ومنها كان المقرر أن ندخل كندا ونقدم اللجوء هناك، لكن عندما تمت الموافقة على تأشيرة أميركا، فكرنا بالجوانب السلبية للأمر”.
وأوضح الحمارنة، “علمت أنه سيسحب جوازي عند تقديم اللجوء، وفكرة عدم استطاعتنا لرؤية عائلتنا لمدة 3 سنوات لم تكن سهلة، غير الصعوبة في معادلة شهادتي والحصول على عمل، وخصوصاً أنه كان لدينا خيار أيسر، وهو روسيا كون زوجتي روسيّة”.
وفي شباط (فبراير) 2020، قرر الحمارنة الانتقال مع عائلته إلى روسيا، وكان من الصعب تمديد تأشيرة الحمارنة لأكثر من 3 شهور للحصول على الإقامة المؤقتة الروسية، مما شكل تحديات جديدة أمامه، “قد أكون الوحيد الذي يقول الحمدالله على قدوم كورونا، لأنه تلقائياً تمددت تأشيرتي إلى 6 شهور بسبب إغلاق المطارات في آذار (مارس)، ومنها كان لدي الوقت الكافي للحصول على الإقامة المؤقتة لمدة 3 سنوات، قبل الحصول على الإقامة الثابتة والجنسية”.
وعن الحياة الاجتماعية في روسيا واختلاطه مع مجتمع مختلف، قالت كيريلوفا، “كنت خائفة أن يضايقه أحد، إلا أن الجميع كان سعيداً بالتعرف عليه”. وأكد الحمارنة، كنت محاطاً بمسلمين، وكانوا يحبون الفلسطينيين، ولم أتعرض أبداً للعنصرية”.
وعاش الحمارنة مع زوجته في جنوب روسيا، في مدينة ستافرروبول، واستطاع التعايش مع المجتمع هناك، إلا أن اللغة الروسية لم تكن سهلة التعلم، لذلك واجه صعوبة في العمل بالهندسة كون جميع المخططات الهندسية والمشاريع ترتكز على اللغة الروسية، وفي الحديث عن عمله، “اشتغلت عاملاً لمدة 4 شهور، وكان الهدف تعلم اللغة، وليس مادياً، حيث كنت أتقاضى 1200 درهم شهرياً (327 دولار أمريكي)، ولم يكن هذا الدخل يكفي الحد الأدنى من مصروفاتي الشهرية”.
استطاع الحمارنة تعلم 50% من اللغة في الفترة التي عمل بها إلا أنه توقف عندها، وفي سؤاله عن السبب، أجاب، “كان موعد ولادة زوجتي بعد شهرين من تركي للعمل، واكتفيت من تعلم اللغة، وهذا كان كاف للتعايش مع المجتمع حولي، وللمستقبل كي أفهم أولادي، ولحينها كنت قد علمت أن الاستقرار في روسيا ليس خطة بعيدة المدى”.
وقبل قدوم وقت تقديم الحمارنة للإقامة الدائمة، حالفه الحظ بقرار جديد يسمح له بالتقديم على الجنسية الروسية فوراً، وبيّن، “أصدر الرئيس الروسي قرار إلغاء تقديم الإقامة الدائمة والتقديم للجنسية فوراً إذا استوفت شروط الحصول على الجنسية وهي، من تزوج من روسية ومضى على زواجهما 3 سنوات، وعاش في روسيا لسنتين، ومعه إقامة مؤقتة ولديه طفل منها، وحينها كنت استوفيت معظم الشروط، وننتظر المولود الجديد”.
وعندما اقترب الحمارنة من هدفه في الحصول على جواز آخر يعطيه مساحة أكبر من الفرص، وصله اتصال عرقل ما كان يخطط له من الهجرة والجنسية ليخبروه عن وجود مشكلة في جوازه الفلسطيني ستسبب في رفض الأوراق المقدّمة للجنسية.
وحسبما ذكر، “لم تعترف الحكومة الروسية بالاسم المكتوب في الجواز الفلسطيني، لأنه لا يُفصّل، ويُكتب الاسم الأول واسم الأب والكنية في سطر واحد، مما جعلهم يعتقدون أن هذا اسمي الأول فقط، وكان يستوجب عليّ إثبات نسبي واسم عائلتي، كي تتم الموافقة على طلبي، وأعطوني مهلة شهر حتى أتمكن من ذلك، وهذا ما فعلته بالاستعانة بالسفارة الفلسطينية في موسكو”.
ولم تكن العراقيل من جهة الحمارنة فقط، فقد سُجّل مكان ولادة كيريلوفا في 1989 في “الاتحاد السوفييتي”، مما جعلها تأخذ المزيد من الوقت لإثبات أن أصولها تعود إلى روسيا، وليس أي دولة أخرى من الاتحاد.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، استطاع الحمارنة الحصول على الجواز الروسي الداخلي، وتخليص معاملاته الحكومية كمواطن روسي مثل الحصول على دفتر الجيش، ليحصل على الجواز الدولي ليتنقل خارج روسيا.
وفي سؤال كيريلوفا والحمارنة عن منشأ طفلهم، ذكروا، “أنه عربياً، وفلسطينياً، وروسياً، ويجب أن يعرف اللغتين العربية والروسية”. وعلّق الحمارنة، “حصولي على الجواز الروسي لا يعني أنني لست فلسطينياً، الجواز بطاقة تسهّل معاملاتي لا أكثر”.
وفي سؤال الحمارنة عمّا إذا كان شعر بأن ابنه “جميل” سيواجه ما عاشه هو مستقبلاً، خصوصاً مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أجاب، “لست ملمّاً بالسياسة، إلا أنه لا يمكن أن تكون روسيا أو أي مكان آخر مثل فلسطين، ومع كل العقوبات في العالم ضد روسيا، إلا أننا لم نواجهها في الإمارات أبداً”.
وعن التجارب التي مرّ بها حتى حصل على جواز آخر، والعبور بين حدود الدول بسهولة أكثر، قال، “تغيرت فعلاً، خصوصاً تجربتي في روسيا، شعرت أنني كبرت بها 10 سنوات، غير تعرّفي على حضارة تختلف تماماً عن التي نشأت بها”.
تحرير: لارا صبري