Call Of Duty .. و البطولة المنتفضة !

سلسلة ألعاب Call Of Duty أو نداء الواجب التي غزت العالم من أقصاه إلى أدناه تحقق انتصارات جديدة كل يوم على صعيد المبيعات وعدد اللاعبين على الانترنت. رغم اتساع رقعة الألعاب الإلكترونية وتعدد مشغلاتها ووسائل اللعب وطرائقه، لازالت سلسلة نداء الواجب تحافظ على وهجها البراق رغم مضي 10 سنوات على أول إنطلاقة لها ولا عجب في ذلك . فنداء الواجب – تلك اللعبة التي تعتمد على التصويب من منظور الشخص الأول – تضع اللاعب في أجواء حماسية لا تخلو من المواقع والشخوص الثلاثية الأبعاد المصممة بتقنيات عالية الجودة تجعلها تبدو حقيقية. ناهيك عن الموسيقى التصويرية الحية التي ترافق مراحل اللعب، هذا إن غضضنا النظر عن قصة اللعبة التي تدور أحداثها في الحرب العالمية الثانية، وفي أجزاء أخرى من الحروب الحديثة، حيث ينجز اللاعب مهمات خطرة بمفرده .
ما لفت انتباهي هو اهتمام الشباب العربي بهذه اللعبة و ألعاب إلكترونية أخرى على غرارها، يتحول فيها اللاعب من مجرد شاب يجلس وراء شاشة جهاز اللعب إلى بطل يواجه خصوماً ويعيش أحداثاً و يصارع في سبيل البقاء. ربما هي حماسة البطل في داخل كل شاب عربي تنعشها سلسلة الألعاب الأمريكية الأكثر رواجاً بعد أن قتلتها سنوات الخذلان العربية التي تكللت بالفشل في التحرر من الاستعمار والذل والفقر والبطالة، تلك السنوات التي لم تحمل في طياتها ما يحيي عزائم هؤلاء الشباب فيعيشوا معنى وإحساس البطولة.
في ظل ما شهدته الأمة العربية من أزمات أودت بهمم الكثير من شبابنا العربي، أصبحت البطولة مفهوماً مفقوداً في عقول الشباب العرب؛ فالأبطال أصبحوا شخصيات تختزنها كتب التاريخ والأساطير ليس إلا. زمنا صلاح الدين و خالد بن الوليد أصبحا زمنين غابرين لا سبيل لبث الروح فيهما ليعودا من جديد. أما بطولة الواقع فقد عاشت مغيّبة قسرياً أو إرادياً، تطأهاأقدام النكسات المتعاقبة والهزائم المتلاحقة التي لحقت بالإنسان العربي، هذا الكائن الضعيف الذي كلما تفاخرت الأمم بحاضرها المشرق ومنجزاتها الحاضرة وقف على أعتاب العصور السالفة باحثاً فيها عن بطل يفاخر به لأن واقعه أجدب. هذا الإنسان الذي لم يخبو وهج أحلامه رغم تعاقب السنين عليه، ثار على واقعه لينتصر لأحلامه بالحرية والعدل و يثأر للبطولة التي تنتفض في داخله ليعرّي للعالم جوهرها ويصرخ بحنجرته المدماة “حرية .. حرية”.
ليس للبطل العربي مقومات خاصة، فقد يكون فلاحاً، معلماً، أباً، صانعاً، بنّاءً. قد يكون رجلاً أو قد تكون امرأةً. قد يكون شاباً أو طفلاً أو عجوزاً. قد يحمل سلاحاً أو محراثاً أو قلماً أو ريشة. كلهم يختزن في جنباته الكثير من خيبات الأمل و الأحلام المسحوقة تكفي لأن تهز العالم بأسره.
سنوات طويلة قضاها شبابنا العربي متحلقاً حول شاشات الـبليستيشن ينفّس من خلالها عن آماله المقتولة بوطن حر، وظيفة مرموقة، حياة كريمة و رأي مسموع. ملّت الحرية القابعة في الأعماق من العزلة لتخرج وتواجه الظلم والطغيان متجسدة في “البو عزيزي” و”حمزة الخطيب”و آخرون خلدوا في ضمائر شعوبنا كأبطال حقيقيين من لحم ودم. أخذت البطولة تتأصل في النفوس، تبث في الأرواح الحماسة والأمل المفقودَين وتمد الإنسان العربي بمزيد من الثقة بنفسه وبقدرته على صنع التغيير و تبديل الواقع.
لأن الحقيقة كانت واخزة، ولأن بعد كل GAME OVER كانت ترتسم على شاشة اللعب، كانت هناك خسارة حقيقية على أرض الواقع يتجرع غضاضتها الشاب العربي. تحول ميدان شباب ” Call of duty ” من الشاشات الإلكترونية إلى ساحات الوطن العربي ليعيشوا البطولة بشكل مختلف، فليزرفوا دماءً حقيقية، ويدافعوا عن كرامة أرض حقيقية وبشر حقيقيين، ليشعروا بحرية حقيقية أبعادها لا تقاس بشاشة 42 بوصة، بل تتسع على امتداد الوطن العربي. فهل تضحي الحرية التي أرادوها واقعاً مُعاشاً، أم أنها ستتحول إلى شكل جديد من أشكال القمع بعد أن غيّر ثيابه بأخرى جديدة؟
Please follow and like us: