مخاطر الألعاب الإلكترونية على الصحة النفسية للأطفال

“قتلت خالد؟ حمار إنت؟ ما عندك مخ”؟
وصوت المُتكلم يُلعلع في غرفة النوم.
على جدار الغرفة عُلّقت ساعة قديمة الطِراز، تُشير عقاربها إلى الاّوقات. وحدَه سواد الليل القاتم يُشير إلى أنّ الوقت يُسجل بِضعَ ساعات بعد منتصف الليل. حيث يعود ابن الثامنة والعشرين عاماً بذاكرته إلى أيّام الطفولة الشقية، واللعب مع أولاد الحي لعبة “الغميضة” والسرح طوال النهار، فيختمون يومهم بمباراة كرة قدم لإبراز مهاراتهم أمام فتيات الحي.
في تلك اللحظة غير المحددة، يُقاطعه فؤاد (10 أعوام) بصوته: “بدي قوصك لأنك قتلت خالد”.
يستديرُ فادي ( 28 عاماً) إلى الجهة الأخرى، فلا يعطي أهمية لِما سمعه، ويُعاود استرجاع مغامراته مع أولاد الجيران الذي عاش معهم لحظات لا تُنسى من الضحك والفرح، ثمّ يُمدد جسده على الفراش، يتنهد، وبقليل من الحسرة، وكثير من الاستهزاء، يُردد “بزعل على خيي فؤاد…ما رح يتذكر من طفولته غير الببجي والفورت نايت”.
في السنوات القليلة الماضية، تشكلت ظاهرة أطلق عليها “إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية”؛ حيث خلّف الإدمان نتائج وانعكاسات سلبية على شخصية الطفل وحالته النفسية.
وبالتقصي عن هذه الظاهرة، تكشفت حقائق منذرة بالخطر حول إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية في الإمارات العربية المتحدة، والحالات الناتجة عن هوس اللعب، ناهيك عن تحميل ألعاب جديدة لتصبح “ترند” وهوس جديد في ظل الاضطرابات والمشاكل النفسية والصحية التي يواجهها المدمن.
ما تعريف الإدمان على الألعاب الالكترونية؟
الإدمان هو اسم من فعل دَمِن، ودَمِن على الشيء أي لزم عليه. عادةً، يتمحور الإدمان حول تعاطي المخدرات أو الإدمان على الكحول أو تدخين السجائر. وفي بعض الأحيان، يرتبط الإدمان بسلوك الفرد نفسه، فلا يستطيع السيطرة عليه، مثل إدمان الحب.
وتشكّل في الآونة الأخيرة نوع جديد من الإدمان، عُرف بالإدمان الإلكتروني ومن أبرز مظاهره: الإدمان على الألعاب الإلكترونية.
تنتشر ظاهرة الإدمان على الألعاب الإلكترونية مع تسارع وتيرة التطور والتقدم التكنولوجيّ، بالإضافة إلى تنافس شركات الألعاب الإلكترونية للوصول إلى أكبر عدد من المشتركين. وعندما تأخذ هذه الألعاب حيزاً كبيراً من وقت الطفل، لا يستطيع التخلي عنها، بل يفضلها على تمضية الوقت مع الرفاق في الخارج، والبقاء في المنزل ساعاتٍ طويلة.
يقول فادي خنيسر، الأخ الأكبر لفؤاد، المُدمن على لعبة الببجي: “الوقت لا يتغير بالنسبة لأخي، أجده مُتمسكاً بهاتفه نهاراً وليلاً، يلعب الببجي ويظهر ردّات فعل مفاجئة ممزوجة بكلمات غير مناسبة لطفل بعمره. لا أستطيع أن أملي كامل اللوم عليه، فوالداي يعملان طوال النهار ولا يحظى بالاهتمام والرعاية الكافية”.
وأعرب فادي عن استغرابه من علاقة أخيه بأصدقائه: “يتواصلون من خلال الببجي طوال الوقت. وبات أخي يحب الوحدة والإنفراد والإنطواء”. بمعنى أنّ هذه الألعاب سيطرت على حياة فادي، فقد أدمن فادي على لعبته.
وأعلنت هيئة الصحة في دبي العام الماضي عن استقبالها نحو حالتين شهرياً لأطفال أدمنوا على ممارسة الألعاب الالكترونية.
الاضطرابات النفسية والسلوكية
يعتبر علماء النفس أنّ استخدام مصطلح “مدمن” لا يمكن أن ينطبق سوى على حالات معينة، فليس كل من مارس الألعاب الإلكترونية لساعات محددة أصبح مُدمناً.
ويأتي الإدمان نتيجة إفرازات لهرمون السيروتونين، المعروف بـ”هرمون السعادة”. ويُصنّف الشخص مدمناً بعد مرور 12 شهراً على تعلقه بالألعاب الإلكترونية، فيُفضل هذه الألعاب ويعطيها الأولوية في حياته.
وترى استشارية الطب النفسي للأطفال في كمالي كلينيك في دبي، الدكتورة رشا عباس، أنّ المشكلة ليست في توفر الألعاب الإلكترونية، بل في طريقة استخدامها المُضرة للأطفال.
وكشفت دراسة حديثة، أجراها باحثون في جامعة كاتالونيا المفتوحة في إسبانيا ومستشفى ماساتشوستس العام بالولايات المتحدة، أنّ ألعاب الفيديو يمكن أن تغير مناطق الدماغ المسؤولة عن الانتباه والمهارات البصرية، وتجعلها أكثر كفاءة. كما يكتسب مُستخدمها لغاتٍ جديدة ويتطلع لمعرفة ثقافات مختلفة.
بيْد أنّ الدكتورة عباس أكدت أنّ “السرّ يكمن في برنامج اللعبة نفسها الذي يجذب الأطفال خصوصاً في ظل غياب الأهل. فهذه الألعاب ليست وهمية، بل شكلت شبكات اجتماعية، حيث تسمح للمستخدم التواصل مع شريكه أثناء اللعب مثل لعبة “فورت نايت”. كما تفرض قوانين اللعبة على المشارك اللعب لوقت معين لإتمام المهمة”.
هذا الأمر يخلق عند الطفل حالة من الإنطواء والعزلة عن المجتمع، فيعيش في عالم خاص بعيد عن الواقع. كما يكتسب أغلب الأطفال المدمنين تصرفات عدوانية مثل العنف والميل إلى خلق مشاكل مع الأصدقاء وتطبيق الحركات التي يمارسها خلال اللعب على الأجهزة الإلكترونية.
يقول أحد الأطفال “المدمنين” على هذه الألعاب، وعمره 9 أعوام: “أحب هذه الألعاب، تمنحي الشعور بالحرية المطلقة، أستطيع أن أقتل أي شخص”.
وأشارت الدكتورة عباس إلى أنّ الإدمان لا يؤثر فقط على تراجع التحصيل العلمي للطفل، بل يفقد الطفل أيضاً مهارة العمل كفريق بسبب قلة التواصل. إضافة إلى المشاكل النفسية التي يعاني منها من اضطرابات وقلق وكآبة مما يؤدي إلى التفكير بالانتحار عند بعض الأطفال.
وأكدت استشارية الطب النفسي للأطفال أنّ هيئة الصحة بدبي تعمل على افتتاح العيادة الأولى في الإمارات لمعالجة الأطفال المدمنين على الألعاب الإلكترونية؛ لأنّ الإدمان “مرض يجب معالجته بالطريقة الأنسب”.
صحة الأطفال في خطر
تترك الألعاب الالكترونية آثاراً سلبية على صحة المُستخدم، فما بالك بآثارها على صحة الطفل المدمن؟ هكذا يتساءل أخصائي الدماغ والأعصاب في مستشفى “أوتيل ديو” في بيروت، منير خوري. ويقول عبر اتصال هاتفي، إنّ “الاستخدام المفرط لهذه الألعاب يؤدي إلى الإرهاق البدني، والإصابة بالصداع، والسمنة بسبب قلة الحركة، علاوة على اضطرابات النوم، فيتعب الجسد ويشعر الطفل بالإرهاق، فتضعف عملية ضخ الدم داخل الجسد وتتأثر بذلك العضلات”.
وأضاف خوري أنّ طريقة جلوس الطفل عند اللعب تؤدي دوراً كبيراً في نشوء “شد عضلي” في القسم العلوي من الجسد كالظهر، والرقبة، والكتف، وإحداث مشاكل في فقرات العمود الفقري. كما تتضرر عضلة العين وتضعف عند أغلب الأطفال نتيجة الإشعاعات التي تظهر من الهاتف/ الكومبيوتر.
وأكد الدكتور خوري على ضرورة تعامل الأهل بطريقة جدية مع أولادهم، وعدم الاستخفاف بالموضوع، وتحديد ساعات معينة للعب بهدف تفادي مشاكل صحية خطيرة.
الإدمان هل هو مرض العصر؟
أصدرت منظمة الصحة العالمية عام 2017 بياناً أعلنت فيه أنها بصدد إضافة مرض نفسي جديد إلى قائمة الأمراض النفسية التي تصدرها في شهر حزيران (يونيو) من كل سنة. وجاء هذا القرار بعد مراقبة الألعاب الإلكترونية سواء على الهاتف أو الكومبيوتر لمدة 10 سنوات. وصنّفت منظمة الصحة العالمية المدمنين بأنهم يعانون من حالات صحية عقلية.
وتعليقاً على ذلك أوضحت الاستشارية والمرشدة الاجتماعية في جمعية نبض، مروة طليس، في اتصال هاتفي، أنّ للإدمان على الألعاب الالكترونية تاريخاً طويلاً، حيث “أصبح مرضاً حالياً بسبب قلة الوعي والاستخفاف غير المبرر لهذا الموضوع؛ خصوصاً في الدول العربية”. وأضافت “من الجيد أنّ دولة الإمارات قررت التعامل مع الموضوع، لكن هل يكمن الحل حقاً فقط من خلال إنشاء مركز للعلاج؟ وكم عدد الحالات التي ستستجيب؟ السؤال الأساسي يكمن عند دور كل من “يونسيف” و”منظمة الصحة العالمية” لمتابعة الحقيقة والأسباب الكامنة وراء اللعب المفرط وهوس الأطفال على الألعاب الإلكترونية”.
وتسءلت طليس: لماذا لا تصدر هذه المنظمات المعنية قرارات وتشريعات لتتعاون مع الدول التي تسجل نسباً عالية من حالات الإدمان، كالإمارات مثلاً، وتجد الحل الأنسب. فمنذ 2010 حتى اليوم لا يوجد أي ردات فعل جدية وحاسمة، فكل يوم تنبثق لعبة جديدة ومدمن جديد. فهل سيحل عام 2030 لتسجل نسبة إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية مئة بالمئة؟