الكوسبلاي”: هروبٌ من الواقع إلى الخيال”

نيسان (أبريل)، موعدٌ ينتظره محمّد سبت كلّ عام بفارغ الصبر ليتحرّر من قيوده ويصبح شخصيّة خيالية أخرى لثلاثة أيّام، بعيداً عن أحكام المجتمع. هذه الشخصيّة التي يخرجها من الشاشة أو أوراق القصص المصوّرة ليجسّدها على أرض الواقع كل نيسان (أبريل)، في معرض الشرق الأوسط للأفلام والقصص المصوّرة “كوميك كون” الذي يُقام كلّ عام في دبي منذ 2012، تأخذ أحياناً شهوراً من الإعداد والتحضير لتأخذ شكل “الكوسبلاي” وهو نوع من فنون الأداء، يقوم فيه المؤدّون بتصميم أزياء شخصيّاتهم الخيالية ويضعون زينتها.

صورة1: محمّد سبت في زيّ شخصيّة “أنمي”. تصوير: مرام أسدُريان. أيلول (سبتمبر) 2015.

صعوبات وتحدّيات

ولكن كونه ممارساً إماراتياً، واجه سبت والعديد من الممارسين الإماراتيين والعرب في البداية تحديّات مع مجتمعهم في طريق الوصول إلى تقديرٍ لهوياتهم هذه التي كانت تُعتبر غريبة وجديدة على المجتمع العربي.

التحدّي الأوّل الذي واجهه، سبت (20 عاماً) كان في كيفيّة اندماجه وانخراطه في مجتمع “الكوسبلاي” الذي كان يتكوّن في المعظم بالبداية من ممارسين أجانب، فيقول سبت: “الممارسين في مجتمع الكوسبلاي عادتاً يكونون طيّبين جداً ومنفتحين على بعضهم، ففي البداية عندما يدخل ممارس إماراتي في هذا المجتمع كان يلاقي تمييزاً وعزلاً من قبلهم”. وهذا يعود بحسب سبت إلى الصورة النمطيّة التي كان يُرى فيها كإماراتي ينبغي أن يُعامل بصورة رسمية. ولكن لاحقاً أصبح مجتمع “الكوسبلاي” يتقبّله، ويصبح العائلة التي يلجأ إليها.

التحدّي الثاني بالنسبة لطالب الهندسة في الجامعة الأمريكية في دبي، سبت، كانت نظرة الأهل والمجتمع السلبيّة لهوايته في البداية، حيث يقول سبت “كان أهلي وإخواني يسخرون منّي عندما يروني في “الكوسبلاي” في البداية”. ويكمل سبت: “مازلت أذكر كيف كان أخي يسخر من حلقي للحيتي من أجل الكوسبلاي، ففي مجتمعنا تعتبر اللحية من السمات الرجولية والأساسية عند الرجل، بالرغم من أنّني لم أتجاوز الرابعة عشر وقتها”. ويضيف سبت: “كان المجتمع الإماراتي يتوقّع منّي التعامل بصورة رسميّة مع الناس وارتداء الزيّ الرسمي، فعندما كنت أرتدي زيّ الكوسبلاي وأتصرّف بحريّة، كُنت أُلاقى بنظراتٍ غريبة من الناس”. ولكن أصرّ سبت على الإكمال: “طالما أنّني لا أفعل شيئاً خاطئاً، لا تهمّني آراء الناس ونظراتهم”.

ولم تكن هذه مشكلة سبت وحده، فالعديد من الممارسين العرب الآخرين كانوا يلاقون ردّة الفعل نفسها من أهلهم ومجتمعهم في البداية تجاه هوايتهم، والتي كانت تعتبر غير تقليديّة وطفوليّة، إلّا أنّ إصرارهم على شغفهم غيّر هذه النظرة. ويشرحون هذا في لقاءاتٍ خاصّة أثناء “كوميك كون 2020” في التسجيل التالي:

ولكن لِوجد عبدالدايم نظرة أُخرى عن هذه الهواية، يشرحها في هذا التسجيل الصوتي عبر واتساب:

هذه النظرة كانت أقسى على الفتيات الإماراتيّات الممارسات للكوسبلاي، إلّا أنّ هذه النظرة لم توقف طالبة علم النفس، سارة الشحّي (19 عاماً)، عن الاستمرار والتمسّك بهوايتها لتصبح قدوة للمارسات الأُخريات، فتحدّثنا عن قصّتها في هذا الفيديو:

تاثير إيجابي

ويرى سبت أنّه كان لهواية الكوسبلاي، والتي يعتبرها “فنّاَ للتعبير عن الذات”، تأثيراً إيجابياً كبيراً عليه، حيث اكتسب مهارات في الرسم والخياطة والنحت، ليصنع أزيائه بمهارة. كما أنّه كان يمارس الرياضة باستمرار ويأكل طعاماً صحّياً ليناسب جسده جسد الشخصيّات البطوليّة التي يؤدّيها. وكان صنع الكوسبلاي الواحد ممكن ان يأخذ معه شهوراً من العمل المتواصل. ويضيف بأنّ أسلوب الحياة الصحّي الذي كان يمارسه من أجل هوايته، أثّر بالآخرين حوله ودفعهم لممارسة نفس الأسلوب وجعل هذه الهواية شيء إيجابي في حياتهم.

ويشرح طالب الطب وأحد مصممّي الكوسبلاي وممارسيه، والحكم في مسابقة “كوميك كون” 2020 للكوسبلاي، عمر سامر (21 عاماً)، عن كيفيّة صنعه للكوسبلاي، وكيف أثّرت به هذه الهواية، كما أثّرت بسبت، ونمّت قدراته.

“الكوسبلاي” في زمن الكورونا

على الرغم من إلغاء العديد من المناسبات والمهرجانات المعدّة لممارسي الكوسبلاي بسبب كورونا، وعدم قدرتهم على عرض الأزياء التي استغرقوا شهوراً في إعدادها، إلّا أنّ سبت يرى أنّه يستطيع الآن تطوير هوايته أكثر بسبب الحظر المنزلي، ويخطّط إلى استغلال هذه الفرصة وصنع العديد من أزياء الكوسبلاي لمعارض العام القادم.

في حين أنّ هذه الفرصة ليست متاحة لطالب الطبّ عمر سالم (سوري الجنسية)، الذي أصبح يمضي وقته كلّه متطوعاً ومتدرباً في المشافي طول اليوم، الأمر الذي جعله يتوقّف عن صنع “الكوسبلاي” حالياً ريثما يقل انتشار الفايروس.

ومن جانبٍ آخر، لم يوقف الفايروس ممارسين ومصمّمين آخرين مثل حسن محمد (بحرينيّ الجنسيّة) والمعروف بـ(Aowsome Ology) من صنع أزياء الكوسبلاي، ويخطّط لنشر صور أكثر عن أعماله على أنستغرام.

ويقام معرض الشرق الأوسط للأفلام والقصص المصوّرة “كوميك كون” في دبي في شهر نيسان (أبريل) من كلّ عام في مركز دبي التجاري العالمي، إلّا أنّ المعرض أقيم باكراً في شهر آذار (مارس) هذه السنة بسبب المخاوف من إغلاق التجمّعات من أجل كورونا، وأحيطت مداخل. وهو المعرض الأكبر في الشرق الأوسط واعتاد أن يكون الوحيد قبل افتتاح معرض “عودي كوميك كون” في السعودية في 2017.

وعلى الرغم من غرابة هذه الهواية وحداثتها على المجتمع العربي، يزداد عشّاق الكوسبلاي العرب وممارسيه عاماً بعد عام، مختبئين خلف أقنعتهم وأزيائهم، بعيداً عن نظرة المجتمع وأحكامه.

تحرير: إليسا جرداق

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM