الروهينغيا: كارثة إنسانيّة، بلا هُويّة

آتين من قلب المعاناة في أكبر مخيّم للجوء في العالم، يروي كلّ من البروفيسور في كلية التعليم في الجامعة الأمريكية في دبي د. نافيد بقايلي، ومؤسس ورئيس جمعية أوبات كندا (OBAT Canada) د. شجاعات واسطي، قصّة أقليّة الروهينغيا المسلمة البلا هويّة، في الجزء الشمالي من ولاية راخين في ميانمار في الحدود مع بنغلادش، وخلاصة تجاربهم في المخيّم، وما يخبّئه المستقبل من فرصٍ لهم.
وهذا في محاضرة أٌجريت في الجامعة الأمريكية في دبي الأحد، 26 شباط (فبراير)، والتي جاءت تحت شعار “قلنا ليس مجدداً… أو هذا ما ظنناه”.
إبادة جماعيّة، أم تطهير عرقي؟
عارض بقايلي، تسمية الممارسات “العنصريّة” التي تنفّذها الحكومة الميانمارية بالـ”التطهير العرقي” كما تسمّيها الأمم المتّحدة، حيث يرى أنّها تصنّف أكثر كـ”إبادة جماعيّة”. وهذا، بسبب توافر كل أشكال الإبادة الجماعية الثمانية من بينها التجريد من الإنسانيّة، حيث لا تعامل الحكومة الميانمارية الروهينغا على أنّهم بشر في حدّ تعبيره، والتظيم، بحيث أنّ هذه الممارسات منزمّة من قبل الجيش الميانماري، والإبادة بقتل أعداد كبيرة منهم بقوّة عسكرية، والإنكار الذي تمارسه حالياً، مستشارة الدولة أون سان سو تشي لحدوث مثل تلك المجازر.
ما هو وضع التعليم في مخيّمات الروهينغيا؟
ركّزت دراسة بقايلي، حسب ما أفاده، على فهم التعليم المتوفّر للروهينغيا في مخيّماتهم، ويرى بأنّهم يعانون من “التجهيل المُتقصّد” من قبل الحكومة، حيث يعدّ منهاج التدريس لديهم حديث العهد نسبياً، و”التعليم مسيّس للغاية”، وينعكس هذا في المناهج الدراسيّة التي لا تشمل أكثر من أربع سنوات دراسيّة، بحسب بقايلي.
واستذكر بقايلي قصّة حصلت معه أثناء أحد رحلاته للمخيّم ومقابلته أساتذة اللغة الإنجليزية، حيث صُدم عندما أدرك أنّه، “حتّى أساتذة اللغة الإنجليزية، لا يستطيعون فهمها أو تحدّثها”، وأرجع هذا إلى تعيين الحكومة أساتذة أنهوا فقط أربع سنوات دراسيّة في حياتهم.
ووضع التعليم أسوأ على الفتيات الشابات والنساء منه على الفتيان والرجال، حسب بقايلي، وهذا بسبب بعض العادات المجتمعية والثقافية الممارسة عليهنّ.
أيادٍ تُمدّ للمساعدة
ويروي الواسطي ما فعلته منظمّته لمساعدة الروهينغيا، وخلاصة تجاربه والقصص التي سمعها أثناء رحلاته إلى مخيّم الروهينغيا، فيقول، “عندما ذهبت للمخيّم لأول مرّة، رأيت بعض الأطفال والشباب تأتي بعيون شبه مغلقة، حينها لم أستطع أن أتخيّل بأنّه لم يستطيعوا الرؤية حتّى”، ومن هنا أدرك ضرورة توفير الخدمات الصحّية لهذا المخيّم، حيث بنت “أوبات” عيادتين طبّيتين تتضمّن أطبّاء محليين ودوليين، يُعالج فيها 200-500 شخص يوماً بثمنٍ منخفض نسبياً، قدره 3 دولارات (11 درهم) على المريض.
ويذكر الواسطي أنّ هناك الكثير من الأشخاص الذين كانوا مستعدين للقدوم والتضحية بالكثير للمساعدة، “عندما احتجنا لجرّاحين، هناك جرّاح تخلّا عن سنتين من التعليم ليأتي ويساعد، فهو ذاته عانى من قسوة اللجوء والفقر، لذلك شعر بأنّه مستعد ليعطي”.
وذكر أنّ الـ”أوبات”، اعتنت في البنية التحتية والتعليم للمخيّم، فبنت العديد من الطرق والجسور والبئور الأنبوبيّة والمآوي. بالإضافة إلى 23 مركز تعليم، يعلّم 2300 طالب يومياً بأجر رمزي قدره 76 دولار (279 درهم) على الطفل في السنة. واستذكر الواسطي إحدى المواقف التي حصلت معه عندما كان في أحد مراكز التعليم في المخيّم، حيث سأل الأطفال، “من يرغب بمشاركة موزة معي؟” وحينها تفاجأ بأنّ جميعم رفعوا موزاتهم وكانوا مستعدّين لمشاركتها معه، “أدركت حينها كم أنّ هؤلاء الناس محبّون ومستعدّون للمشاركة حتّى وإن كانوا لا يملكون شيئاً”.
يسكنون أرضاً للفيَلة
لم تكن الأراضي التي تمركز فيها الروهينغا مسكونة أو قابلة للسكن حسب ما أكّده الواسطي، فالحرارة مرتفعة جداً بسبب عدم وجود أشجار في المنطقة تحمي من الشمس و”كانت في الأصل للفيلة”، ولكن الحكومة وضعتهم فيها على كلّ حال. ويضيف الواسطي، إلى أنّه من بعض الممارسات التي تمارسها الحكومة على الروهينغا، هو أنّها تأخذ الهواتف منهم لمنعهم من الاتصال في العالم الخارجي. إضافة إلى انتشار الاتجار بالبشر والأعضاء، حيث أنّه “أي أحد يستطيع المجيء وخطف طفل من دون أن يفعل أحد شيئاً حيال هذا”.
“شكراً لاعترافك بنا بشراً”
وبنبرة صوت متأرجحة ومرتبكة بدى عليها التأثّر، استذكر واسطي، في لقاء خاص بعد المحاضرة، واحدة من أسوأ التجارب في حياته حسب تعبيره، وهي التحدّث والاستماع لقصص النساء هناك، وقال “كنت أبكي طوال الوقت” فعانت تلك النساء من تعرّضن للاغتصاب الجماعي، أو رأين أطفالهنّ يقتلون أمام أعينهنّ. وعبّر الواسطي عن مشاعر التأثّر والأسى عندما قالت له مرّة إحدى النساء “شكراً لاعترافك بنا بشراً”، ويرى أنّه “هذه كانت رسالتهم وكلّ ما أرادوه”.
ويعود مصطلح “روهانغيا”، إلى الهجرة الثانية لـربع مليون شخص مسلم من بنغلادش إلى ميامار، ذات الأغلبية البوذية، في أوائل التسعينيات. وزادت حدّة الصراع الطائفي، بعد انتهاء الغزو الياباني (1942-1945)، وانسحاب بريطانيا التي وعدت الروهانغيين “دولةً مسلمة مستقلة”. وراح أكثر من 9000 قتيل، منهم أكثر من 700 طفل، ضحيتاً خلال الشهر الأوّل من الصراع في 1960، وجُرّد الروهانغيون، في 1982، من جنسيّتهم من قبل حكومة ميانمار، التي تعتبرهم مهاجرين بنغاليين غير شرعيين. ومنذ ذلك الحين، أصبح الروهانغيون هدفاً للاضطهاد من قبل الحكومة، والبوذيين، والوطنيين، وهو الأمر الذي تنكره الحكومة الميانمارية. وفي 2018، فُقد أكثر من 43000 من الآباء إلى أن اعتبروا في عداد الموتى.
تحرير: حنان الكبت