“الكشة” فيلم سوداني يرتحل بين الحب والأمل والحياة تحت وطأة الحرب

أعود بالزمن إلى عام ٢٠١٦ الخرطوم السودان، وأتذكر نقاشي الحاد مع إحدى زميلاتي، عندما قالت: “صحيح أنّ نظام البشير فاسد لكن على الأقل نحن ننعم بالأمان“. حينها استشطت غضباً وسخرية في ذات الحين، لكن ما يهم هو ضحكة صديقتي جسيكا الساخرة المتلونة بالكثير من الوجع، حيث قالت: “انتِ بس ما عارفة إننا جبنا حبوبتي (جدتي) من جبال النوبة عشان القصف زاد زيادة عن اللزوم وإنه السودان، ما الخرطوم بس“.
ظللت أتذكر هذه القصة طيلة فترة مشاهدتي فيلم المخرج السوداني حجوج كوكا الروائي الطويل الأول (الكشة)، في سينما عقيل المستقلة في دبي، ضمن فعاليات أسبوع آفاق للسينما العربية.
تدور أحداث الفيلم التراجيكوميدي في منطقة جبال النوبة غرب السودان، متناولًا مواضيع متناغمة ديناميكيًا كالحب والأمل والحياة اليومية تحت وطأة الحرب والعلاقة بين المركز والهامش.
الكشة أو كما كُتبت أكاشا هي تعني (الحملة) التي تنظمها الحكومة والقوات الأمنية للقبض على المواطنين لأسباب معينة كمطاردة الباعة الجوالين مثل بائعات الشاي في الشوارع، والقبض على الشباب وتجنيدهم. وهذا ما يدور حوله الفيلم، حيث تتوقف الحرب الأهلية بين الجيش الحكومي والحركات المسلحة في فصل الخريف بسبب الأمطار، فيقوموا بعمل الكشات بعد انتهاء الموسم لتجنيد شباب جدد وإعادة المتخلفين منهم، مثل بطليْ الفيلم عدنان وعبسي.
عدنان ثوري متمرد يحب كلاشنكوفه، ويرى أنّ الثورة هي الحل ويتمنى الانتقال إلى الخرطوم. أما محبوبته لينا فتجسد الشابة المستقلة المتعلمة ذات الأهداف الواضحة، تعلم أنّ ما يجب فعله حقيقةً هو تحويل منطقتها كالخرطوم وأفضل من ذلك. في المقابل عبسي يجسّد الشاب الهزلي الواقعي، الذي يعرف أنّ دوره الحقيقي هو مواجهة الحرب بحبه للحياة، ومقاومتها بالسخرية منها وبالفن.
جزء كبير من جهل زميلتنا التي كانت تزعم أمن وأمان السودان أنّ رؤيتها تنتهي عند حدود حيّها السكني. هو توجهها السياسي وسوء إدارة ونكران التنوع العرقي والديني في السودان. وحقيقة دور النظام السابق في قمع وتضليل كل وسائل الإعلام والفن. وذلك يظهر جلّيًا في مستوى حرية الصحافة وفِي حقيقة أنّ منتوج السودان من الأفلام الطويلة ككل يتكوّن من سبعة أفلام.
مشاهدة الكشة قبل ثورة ديسمبر ٢٠١٩ وبعدها يختلف في الإحساس والمعنى، فالمتلقي السوداني الذي لا يعرف شيئاً عن الهامش ومايحدث فيه، أصبح أكثر وعياً، وعايش أحداثاً مشابهة مثل كل مظاهرات الكر والفر بين مختلف قوات الأمن والمتظاهرين. وأحداث فض اعتصامالقيادة العامة للقوات المسلحة وغيرها من المجازر. يقول كوكا: “ربما يشعر جميعنا الآن بنفس الشعور سواء في المركز أو الهامش وأصبحنا نتشارك ذات الأهداف والآمال“.
ويذكر أنّ السينما السودانية بدأت موجة من الأعمال السينمائية الواعدة في عام ٢٠١٩ بداية من الكشة ووصوله لعدة مهرجانات دولية، مثل مهرجان البندقية السينمائي الدولي، إلى الفيلم الروائي الطويل (ستموت في العشرين) للمخرج أمجد أبو العلاء ذوي الانتاج الأضخم في تاريخ السينما السودانية. والفائز بجائزة (أسد المستقبل) في مهرجان البندقية السينمائي الدولي وعدة جوائز أخرى. وأيضًا الفيلم الوثائقي (خرطوم أوفسايد) للمخرجة مروه زين، الذي يتناول حكاية نسوية لفتيات يلعبن كرة القدم في بيئة مليئة بـ”التابوهات”. والفيلم الوثائقي (التحدث مع الأشجار) للمخرج صهيب قسم الباري والذي تشرح أحداثه نضال ٤ سينمائيين لإعادة إحياء الثقافة السينمائية في السودان.