شرخ في الذاكرة

ميليسا تحمل عدسة الكاميرا لتسرد ما تبقى لها من ذكريات عن أمّها. يظنّ المشاهد في بادئ الأمر أنّ أمّ ميليسا فارقت الحياة جرّاء حادث سير، ولكن سرعان ما يكتشف أنّ الأم أصيب نخاعها بمرضٍ أفقدها ذاكرتها، وبالتالي إنسانها الذي تلاشى من ذاكرة أطفالها بعد الحادث الذي مضى عليه خمس سنوات من الزمن.

تأخذنا ميليسا إلى عالمها الخاص وتحرّكنا كما ومشاعرها باستخدام مشاهد خاليةٍ من أدوات التوليف. وتفصل لنا ميليسا شخص أمّها إلى اثنين، شخص توفّته المنيّة وشخصٌ آنٍ كان من الصّعب على ميليسا تقبّلُ وجوده. بيد أنّ أخواتها الذين يصغرونها سنّاً لا ترنّ مخيّلتهم بصورٍ لأمّهم ‘الماضية’.

ومع مرور أحداث الفيلم تبدأ صورة الأمّ بالتآكلِ رويداً رويدا بعد أن غمرتها ميليسا بالبروبانون في حوض تحميض شريط الأفلام الملوّنة, كمراسم توديع لشخص أمّها المفقود، بعد أن تشبّثت طويلًا بذكريات لا يبالي بها نخاع أحدٍ سواها.

الفيلم تمّ تصويره بكاميرا كانون “5D” واستعانت المخرجة التشيليّة ميليسا ميراندا في معظم مشاهدها بحركة يدها الحرّة ممّا أضاف روحَ العفويّة والمصداقيّة في حديثها عن أمّها.
تعرض ميليسا مشهداً من تسجيل قديم لأمّها قبل مرضها، تسألها فيه عن رأيها في أحد البرامج التلفزيونيّة، فتجيب أمّها بالرفض؛ “لا أريد التعليق، ابتعدي عنّي”. وعلى نقيض ذلك تستخدم ميليسا تسجيلاً حديثاً لأمّها بعد إصابتها، تطرح فيه السؤال ذاته، فتجيب أمّها: “بالطبع، سأخبرك أيّ شيء تريدينه”.

على نقيض المشهد الافتتاحي الذي يظهر تسجيلًا قديمًا للأم قبل مرضها تسألها فيه ميليسا إن أرادت التعليق على البرنامج التلفزيوني فتجيبها ب”لا، ابتعدي عنّي”. ثمّ تعرض ميليسا مشهدًا حديثًا لأمّها بعد مرضها تسألها فيه ذات السؤال فتجيب أمّها “بالطبع، لم لا!”.

تقول ميليسا ختاماً “أنا من أعاني وليس أمّي، أمّي لا تتذكّر شيئاً من ذكرياتها، لا تتذكر شيئاً من شخصها الماضي. عليّ أن أنسى كما نسي الجميع، كي أستطيع المضي”.
شارك فيلم النخاع “ميدولا” في مهرجان السرد الإبداعي الذي استضافته الجامعة الأمريكيّة في دبي وحاز على إعجاب لجنة التحكيم.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM