حمامة: فيلم وثائقي إماراتي

تحكي أحداث الفيلم الإماراتي “حمامة”، الذي يتناول شيئًا من الحياة الإماراتية المحلية سابقًا، ومازال حضورها قوياً وراسخا ًحتى وقتنا الراهن، الطب الشعبي أو طب الأعشاب المتداول بين بعض فئات المجتمع الإماراتي، الذي يؤمن بأن إن لم ينفعه لن يضره.
أسلوب السرد اعتمد على متابعة الشخصية الرئيسية بصرياً، والتركيز على تفاصيل حياتها وعملها الذي بات جزءًا من شخصيتها، دون الاعتماد على روي القصة من قبل المخرجة.
وكان الأسلوب جيّدًا لأنه ساعد في تقريب وتحبيب الشخصية للمشاهد، بالإضافة إلى نجاحه في فهم وإدراك كيف تعيش هذه الشخصية وكيف ارتبطت بالطب الشعبي.
فكرة هذا الفيلم الوثائقي هو التركيز على الشخصية التي واكبت حقبتين زمنيتين مختلفتين بين الماضي والحاضر، ومازالت متمسكة بما اكتسبته من خبرة طبّية شعبية، جلبتها معها كي ترسخها وتثبت حضورها في العصر الحديث، وتراهن على أن ما لم يستطع الطب الحديث معالجته، فهي تستطيع أن تجد حلًا له باستخدام بعض الخلطات العشبية.
هذا ما حاولت المخرجة إيصاله للجمهور وللمشاهد، بأن المجتمع الإماراتي المحلي يمتلك كنزًا حقيقيا يتجسد بدور هذه السيدة المسنة التي احترفت هذه مهنة الطبابة منذ وقت طويل، دون الحاجة إلى تعلم ودراسة أصول الطب بمفهومه الحديث، الذي ولد فيها بالفطرة. واستطاعت المخرجة إيصال الفكرة الرئيسية من خلال مشاهدتنا لشخصيات عالجتهم هذه السيدة المسنة وشفيوا شفاءً تامًا، بالإضافة إلى تصويرها في أحد المواقف التي من خلالها يظهر رجل مسنّ يعاني من مشاكل عديدة لم يجد حلها عند الأطباء فلجأ لها، وبالتالي أعتقد أن المخرجة استطاعت أن تحرك المشاعر لدی المشاهد الإماراتي بوجه الخصوص، ليقربه لجانب الشعبي الموروث، قد يكون غافلا عنه ولا يملك الخلفية الكافية عن مدى أهميته لدى الجيل القديم، الذي مازال البعض منه كشخصية حمامة يعيش ويواكب تطورات مجتمعه، ولكن علی الرغم من ذلك تمسكت برائحة الماضي من خلال امتهانها للطب الشعبي.
حرصت مخرجة العمل نجوم الغانم على التأكيد أن عملها يحمل الطابع التسجيلي، الذي يتخطّى فكرة التوثيق لتجربة علاجية تعتمد الطب الشعبي، نحو الغوص عميقاً في بنية المجتمع الإماراتي، وإجراء مقارنة بين ماضيه وحاضره، ورصد أنماط العلاقات التي كانت تسود بين أفراده، وصولا إلى ما تبقى منها في الوقت الراهن لدى الباقين من أبناء الزمن القديم.
من وجهة نظري، حمامة هي التي ساهمت في إنجاح الفكرة الأساسية للمخرجة، لأنها كانت تتحدث وتتعامل مع كل من حولها بأسلوبها العفوي، دون الشعور بأنها أمام قيود الكاميرا ومعدات التصوير، بل بمعنى أصح إشعار المشاهد أنه معها في قلب الحدث في كل مشاهد القصة، وهذا الذي يساعد على التعاطف والتقرب من شخصية حمامة، وخلق الفضول لإنتظار الأحداث الباقية.
تبقى دائمًا العوامل الأساسية في إنجاح أي قصة، هو اللعب المتميز في طريقة التصوير الذكي، من خلال تتبع المخرجة لخطوات حمامة أثناء ذهابها لشراء الأعشاب التي تحتاجها في صناعة الأدوية الشعبية، بالإضافة إلى مشاهدة المشاهد الحية أثناء علاجها للمرضى الذين يزورونها ومعالجتهم لها بالأساليب التقليدية كالكي (التوسيم) أو غيرها من الطرق، وحديثها الشيّق عن مهنة الطب الشعبي، وبنائها لخبرة سنين متتالية في هذا المجال والإطلاع على تجاربها الحميمة، لم يقتصر الموضوع على ذلك فبناء المشاهد بتسلسل في المونتاج يقرب الشخصية والقصة وفكرة الفيلم بوجه العموم، لنصل إلى عقدة الفيلم بأنها على الرغم من احترافها لمهنة المعالجة بالأعشاب والطب الشعبي، إلا أنها كانت تعاني من تضاؤل في الرؤية يشدّ للتساؤل عن سر معرفتها للأجزاء الذي يتألم منها المريض أو يعاني منها بدقة عالية، وصولا إلى لحظة تكريمها على جهودها ومحافظتها على جانب من الإرث المحلي، وبالطبع الموسيقى الإماراتية الشعبية والأغاني المرتبطة باسمها أعطى طابعا ميز بصمة المخرج بانتقائها وفقا للأحداث أو الأماكن التي نحتاج فيها لسماع هذه الألحان التي تشجع وتحفز المشاهد لاستكمال ما تبقى من مشاهد لفيلم حمامة، أما بالنسبة للإضاءة فكانت المخرجة موفقة فيها لاعتمادها في معظم الفيلم على الإضاءة الطبيعية كنور الشمس.
وبالنسبة لإيقاع الفيلم فكان مناسبًا خصوصًا أنه يتبع قصة إمرأة عجوز نرى فيها نمط حياتها اليومي، فهو لم يكن بطيئًا ولا سريعًا، بل كان معتدلًا يساعد في فهم واستيعاب ما تقوله أو حتى مشاهدة سلوكياتها في التعامل مع المرضى، ولا ننسى تنوعه فتارة نراها بمفردها، وتارة نراها مع من حولها ممن يزورونها.
عن مشاهدة شخصية لفيلم حمامة، أقيمه كفيلم وفكرة وقصة مرتبطة لها بداية ونهاية مع عقدة واضحة في الجزء ما قبل الأخير للفيلم، أي ما يؤكد بأنه فيلم ناجح بكل المقاييس إن لم يجذب المشاهد العربي بالدرجة الأولى، فهو بكل تأكيد سيلقى صدى كبيرا وقويا على الصعيد المحلي، وقد لا يكون الفيلم مرجعاً ملائماً لخصوصيات الطب البديل في الإمارات، بل هو يهدف إلى توثيق الحياة التقليدية، وتسليط الضوء على جوانب مظلمة من حياة موجودة، لكنها لا تبدو مفهومة بصورة وافية.
Please follow and like us: