مطالب نسويّة محقّة

استوقفني تقرير على إحدى القنوات العربيّة بينما كنتُ أقلّب بين محطّات التلفزيون، للكاتبة السعوديّة بدرية البشر، تسأل النساء غير المتزوّجات عن “الشروط التي تطلبها في زوجها المستقبلي”. دُهشتُ من معظم الأجوبة التي تراوحت بين: “أنا فقط أريده أن يسمح لي بالعمل” أو “لا أريده أن يمنعني من عملي، فأنا اجتهدت ودرست وطموحي الوصول الى أعلى المراكز” وغيرها الكثير من الإجابات المشابهة.

أدركت حينها أنّ كثيرًا من النساء لا يميّزن بين حقّ ومطلب. فاحترام الزوج لزوجته حقّ، واهتمامه بها حقّ وإخلاصه لها حقّ، وحريتها بالعمل حقّ أيضًاً. هذه حقوق طبيعيّة على كلّ زوج تقبّلها وليست سيناريوهات اختياريّة يمكن التملّص منها.

لماذا يجيب معظم الرجال العرب عند سؤالهم إن كانوا يفضّلون أن تعمل زوجاتهم؛ بـ”طبعاً لأ”؟ السؤال الذي يشغلني كطالبة إعلام مقبلة على تجربة عمل بطموحات كبيرة: هل تعليقي شهادتي الجامعيّة “على البراد في المطبخ” من شروط نجاح زواجي المستقبليّ؟!

الدعاة الجدد والمثقّفون وقادات الدول المتقدّمة وكثير من الناشطين يؤكّدون على وجوب تولّي المرأة أدوارًا فاعلة في المجتمع، وذلك يشمل دورها في المشاركة في التنمية، ودورها في النهضة، ودورها في التحصيل العلميّ، ومجالات أخرى. وفي هذا الإطار، خصّص حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كتابه “ومضات من فكر” محورًا مستقلًّا عن أهمّيّة دور المرأة العاملة في المجتمع الإماراتيّ وأهمية وجود العنصر النسائيّ في الحكم. ومن أهم ما قال في هذا السياق: “وظيفتنا توفير بيئة لإطلاق قدرات المرأة وبالمقابل أنا متأكّد أنّها ستصنع لنا المعجزات… نحن تجاوزنا مرحلة تمكين المرأة. نحن نمكِّن المجتمع عن طريق المرأة”.

ما زالت شريحة لا يستهان بها من المجتمع تؤمن بأنّ الله خلق الكون وأباح العمل للرجل وجعله يحقّق طموحاته كي يعيل الأسرة، فيما يُختزل دور المرأة الطبيعيّ في كونها ربّة منزل وحاضنة للأولاد. ولا يتوقّفون هنا، بل يعتبرون أنّه عند بدء المرأة الشرقيّة العمل، تبدأ البنية المجتمعية والأسريّة في العالم العربي بالإنهيار.. ويذهبون أحيانًا إلى اتّهامها بثقب الأوزون!

إذا كان على المرأة أن لا تعمل خارج المنزل، وأن لا يكون لها أي دور في المجتمع إلا بتربية الأولاد، فلماذا تصرف الحكومات وتبذل الأسر من مداخيلها كي تعلّم المرأة في المؤسسات التربويّة؟ لماذا نشقّ – نحن النساء – طريقنا كي ندرس في أهم الجامعات ونزاحم الرجال في المنح ونتابع الدراسات العليا؟
يقولون إنّ عمل المرأة يأتي على حساب أسرتها، فتمضي وقتًا أقلّ في البيت مع الأولاد. لكن حتّى ربّة المنزل قد تمضي وقتها في البيت بين المسلسلات التركيّة وبين استقبالات نسائيّة و”صبحيّات” ومكياج واهتمامات غير ذلك بعيدًا عن تكريس وقت مفيد مع الأولاد على سبيل المثال. وفي هذه الحالة لا تؤدّي الأمّ دورها التربويّ بالرغم من وجودها الجسديّ في البيت. فساعة مع الغني تُتغني، وساعة مع أمّ مثقّفة تُغني عن عشرات الساعات مع أم غير مثقّفة.

ليس طموح كلّ إمرأة الترف، ولا تنحصر اهتمامات كلّ إمرأة في تقليم الأظافر و”المنكور والبديكور”. هل عند المرأة حاجة إلى إثبات الذات؟ أم أنّ حاجاتها النفسية تتلخّص بالأمومة؟ مهما كان طموحها، لها حريّة الاختيار!

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM