عن أيّ حريّة تعبير يتحدّثون؟

تشهد منصّات الإعلام الإجتماعيّ منذ الهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسيّة الساخرة، صرخات مناهضة للرسوم المسيئة للنبي محمّد ومؤيّدة لهجوم المتطرّفين الإسلاميّين. الإساءات الغربيّة المتكرّرة ولّدت حقدًا في نفوس بعض المسلمين ما دفع بعض الجهات المتطرّفة إلى الردّ بوسائل عنيفة وصلت حدّ القتل للثأر للإسلام.

ولكن لو وقفنا نتأمّل موقف القرآن والسنّة في هذا الشأن، لوجدنا أنّ الله تعهّد بنصر رسوله محمّد “إنّا كفيناكَ المستهزئين” (الحجر: 95). أمّا النبي محمّد، وعندما هجاه بعض الكفّار، ونعتوه ب”مذمّم” بدلًا من “محمّد”، أوعز إلى صحابته المستائين من ذمّ الكفّار لنبيّهم: “لا تعجبون كيف يصرف الله عنّي أذى قريش وسبّهم، هم يشتمون مذمّمًا وأنا محمّد” (رواه البخاري).

وعليه، فإنّ الشخص الذي رُسم في الكاريكاتور لا يمثّل النبيّ محمّد، بل هو شخصيّة من نسج خيال صحافيّي “شارلي إيبدو”. وعندما ضجّت وسائل الإعلام العربية والإسلامية بالخبر، كان الملايين يترقّبون ردة فعل المسلمين على هذه الإساءة. كانت هذه فرصة كبيرة للمسلمين لإيصال رسالة سلام إلى العالم بأكمله لتحسين صورة الإسلام وبالأخصّ في العالم الغربي. ولكنّ بعض المتطرّفين انتهجوا طرقًا همجيّة لا تمثّل القرآن ولا سنّة النبي بأيّ شكل، للردّ على ما اعتبروه إساءات من الغرب، ممّا رسم انطباعًا سلبيًّا عند الغرب عن الإسلام وممارساته. واستمرّ الشحن في التفاقم الى آخر هجوم الذي استهدف صحيفة شارلي ايبدو.

ما يثير فضولي أن الدين الاسلامي يحثّ على المساواة بين جميع الأنبياء “لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ” أي أن جميع الرسل على قدرٍ واحد من التفضيل الإلهيّ. فلماذا ثار مليار ونصف مسلم على الإساءة إلى الرسول في مظاهرات لا تسمن ولا تغني من جوع بينما لم يحرّكوا ساكنًا على الإساءات الأخرى للأنبياء مثل عيسى وموسى؟

لو كان الرسول محمّد بيننا اليوم، هل تعتقدون حقًّا أنّه سيكترث لفيلم أو رسومات رخيصة؟ كان ليغضب على الظلم وسفك الدماء وإنعدام المساواة ونهب الأيتام في بلاد المسلمين. لن يكون الرسول عظيم الشأن في نظر الغرب طالما أنّنا لا نشهد تعظيمه في نفوسنا، نحن المسلمين. فلنكتسب احترام من حولنا ولنغضب للرسول بأخلاق الرسول.

وعلى نحو آخر، على الرغم من أنّ فرنسا هي منبر لحريّة التعبير، فهي تجرّم قانونيًّا كلّ من يتجرّأ على التشكيك في المحرقة اليهوديّة التي ارتكبها هتلر، والتي تُعرف بالـ”هولوكوست”. هنا نرى ازدواجيّة صارخة، ففي حين يطالبون في حقّهم برسم صور كريكاتوريّة للنبيّ، يقمعون كلّ من يتكلّم عن الهولوكوست. عن أي حريّة تعبير يتحدّثون!

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM