داعش … مِنَّا وإِلينا

ككلّ صباح بائسٍ، استيقظنا الأربعاء الماضي على خبر حرق الطيار الأردني، وشاهدنا اشتعال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي هي الأخرى بآلاف التصريحات والتحليلات والتغريدات المنددة بالواقعة والمدافعة عن الإسلام.

وككثيرين وجدت نفسي مضطرةً كما كل مرة لأن أستمع لعقولٍ فارغةٍ كثيرة وهي تصدح بنظريات عجيبة خلال نوبات تفكيروفوبيا حادة. وسط كل هذا، لا أعلم لماذا تذكرت ما كَتَبهُ صديق لي منذ فترة على موقع فيسبوك، عندما تحدث عن تجربته في إحدى “مساجد الحكومة” في الجزائر بعد حادثة “شارلي إيبدو” الأخيرة، وعن حِرص أحد الأَئِمة المفاجئ على تذكير المصلين بمبادئ الرحمة في الإسلام، رغم أنَّ صديقي هذا كان قد تعرض في طفولته للضرب المبرح على يد الإمام نفسه لأنه أسقط (عن غير قصد) مصحفاً من على إحدى الرفوف.

شخص تعامل مع خطأ بريءٍ صادر عن طفل صغير بهذه الطريقة كيف له أن يتعامل مع انسانٍ بالغٍ يخالفه الرأي في قضيةٍ كبرى؟ وأُمَةٌ تتعلم الدين على يد أمثال هذا الإمام كيف لها ألا تنجب تنظيماً كتنظيم داعش؟

نحن نظن بأن داعش هم فقط أولئك البربريون الملتحون الذين يعيشون في مكان ما في الصحراء بعيداً عنا، وبأن جرائمهم تَطَالُ الآخرين فقط، لأن القدر لسبب ما سوف يَنأى بنا عنهم. الحقيقة هي أن الكثير من الدواعش يعيشون بيننا، يتغذون على تعاليم وأفكار موجودة في كتبٍ متناثرةٍ في كل مكان، ويدرسون أصول التطرف في كليات ومعاهد وبرامج دينية معروفة لدى الجميع. فالشخص الذي يُؤسِّسُ توجُّهاتِه وفقاً لتلك المدارس، هو عبارة عن داعشي قيد الإنشاء. والمرأة التي تستمد أفكارها من فتاوى الاستعبادِ التي يُفصِّلُها سماسرةُ الإفتاءِ على مقاس نزعاتهم المريضة، ليست سوى مشروعَ جاريةٍ داعشيةٍ مخضرمةٍ.

عقلياتٌ كهذه، لم تدرك يوما أن الفقه والإفتاء هو مجرد انتاجٍ بشريٍّ خالٍ من القداسة، سوف لن تجد صعوبةً في تقبل ثقافة جز الرؤوس وحرق الأجساد الحية. وآخر دليل على هذا، جاء في فيديو الحرق الذي يَزعُمُ فيه مقاتلو داعش استِنَادَهُم في قرارات الإعدام المتكررة إلى قول ابن تيمية: “أما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم على العدوان، فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع”.

الخلاصةُ هي أن تنظيمَ الدولة قد لا يمثل الإسلام، لكنه حتماً يمثل ما جاء في كتب الفقه والتراث الإسلامي، و”الدعشنة” هي قبل كل شيء عبارة عن تراكم وقابلية واستعداد قد وقد لا يلق فرصة الخروج للعلن.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM