التطبيع : وجه آخر للهزيمة

المعادلة المنطقية لأي صراع كان تقول ” ما أخذ بالقوة ، لا يسترد إلا بها “. عد إلى التاريخ قليلا أيها القارىء وسجل أسباب المنتصرين بالحروب ، لن تجد بأي حال من الأحوال ، أرض مغتصبة بالبنادق او السيوف أستردت بالمفاوضات . أمامي عدو يقتل أخي ويغتصب أرضه، بأي منطق، بأي قانون، أفاوض ؟. أعلم ان السؤال كبير جدا ، لكن إجابته ستحدد مصير هذا الشعب المناضل والحكومة “المفاوضة”. هربا من هذه المعادلة خرج أحدهم بسياسة جديدة أي معادلة جديدة ، منطق جديد يقول : ما أخذ بالقوة يكتمل أستحواذه بالتطبيع”. أي نزيد القوي قوة والضعيف نلقمه ضعفا. التطبيع تثبت النظرية التي فصلتها إسرائيل، ووحدهم العرب ناسبت قياسهم ، بل زخرفوها أيضا بلآلىء السلام الصامت.

لغويا: التطبيع مشتق من كلمة طبيعي، أي تطبيع الشيء تعني جعله طبيعيا مقبولا، اما سياسيا فهنا أود عرض وجهات النظر المختلفة في هذا الأمر فهناك من المفكرين العرب من اعتبر التطبيع هو خضوع وسلام واضح وصريح مع اسرائيل ومنهم من ذهب الى اعتباره سلّم لتحقيق السلام الموعود مع اسرائيل الذي سيجنب الدولتين حربا طويلة الأمد لا تخلّف سوى الدم.

السيد علي أبو سكر، رئيس لجنة مناهضة التطبيع في الأردن، وهو أحد أكبر المعارضين للتطبيع مع اسرائيل تم اعتقاله مع عدد من المناهضين الآخرين من قبل السلطات الأردنية بسبب نشاطه المعارض للتطبيع مع اسرائيل. وفي لقاء معه على قناة الجزيرة ضمن برنامج الاتجاه المعاكس قال علي أبو سكر “التطبيع اختراق للعقل العربي، لقبوله التعايش مع كيان محتل اغتصب هذه الأرض .

وبالتالي إعطاء الشرعية أو إضفاء الشرعية على هذا.. هذا الاحتلال” وأضاف السيد علي بأن التطبيع ما هو إلا هدف صهيوني كان مخططا له قبل نشوء الدولة اليهودية ، ودعم رأيه بإقتباس من الكتاب الشهير ” الدولة اليهودية ” لمؤسس الدولة اليهودية هيرتزل حيث قال في كتابه “عندما نصبح دولة طبيعية في المنطقة سنقنع أوروبا في ذلك الوقت و.. أميركا في هذا الوقت أننا قادرون على خدمتها في المنطقة في وجه البربرية والهمجية السائدة”. سأتوقف هنا عند عبارة “الهمجية السائدة”.

لا شك وأن “هيرتزل” كان يعي ما يقول حين وصف السياسة العربية بـ “الهمجية والبربرية” إذن فهو مدرك أن من يتعامل معهم هم همجيين وأن أفضل سبيل للوصول لإتفاق سلمي معهم هو مبادرة “التطبيع”. بعبارة أخرى وكأن هيرتزل يقول ” فلنجعل الأمور طبيعية بيننا ولا حاجة لنا في الدخول بصراع طويل الأمد مع بربريين همجيين”.
الكاتب والأكاديمي الفلسطيني أحمد أبو مطر ،وبعد سلسلة من ذكر المواقف التاريخية والمعاصرة المتعلقة بالتطبيع، قال ” التطبيع باختصار هو دعم مطالب الاحتلال الرافضة لحقوق الشعب الفلسطيني سواء كان ذلك في داخل دولة إسرائيل أو في أية عاصمة عربية أو أجنبية”. ولو قرأت دقة الدراسة الي قدمها الكاتب أحمد أبو مطر سنتفهم مقصد الكاتب من اعتبار التطبيع هو أي دعم يقدم لإسرائيل ضد الحق الفلسطيني بأرضه سواء كان هذا الدعم من الفلسطينين ،كسياسة وحكومة ، أو من أي دولة عربية وأجنبية.

لأن هنهاك من قيّد مفهوم التطبيع بين قوسي إسرائيل وفلسطين وكأن الشأن شأنهم والأمر أمرهم لا احد يتدخل فيه بأي حق كان وهو عكس ما يحدث في أرض الواقع.

و أود اضافة أمر آخر ذكره الكاتب احمد أبو مطر في هذا السياق وهو أن طبقة المثقفين والادباء هم مستثنون من هذه السياسة وأن كل عمل يصدر منهم من ترجمة للكتب العبرية أو زيارات لأراضي اسرائيلية أو حمل الجواز الاسرائيلي لا يعد تطبيعا نهائيا. لأن طبقة المثقفين ، ضمن واجبهم الوطني ، خلق علاقات اكثر نقاءا بين الشعبين من تلك التي تؤسسها السياسات الحكومية. وفي خضم هذا ذكر مثالا عن الهجوم الذي تعرض له الكاتب العالمي ادوراد سعيد بسبب زيارة قام بها الى مسقط رأسه القدس بجواز سفر أمريكي. وهوليس المثال الوحيد فهناك الشاعر ابراهيم نصر الله الذي ترجمت اعماله للعبرية وهو ما اعتبره البعض تطبيعا ايضا. وتتعدد الأراء المناهضة للتطبيع والمعتبرة اياه صور من صور الهزائم والاستسلام. اذن فان الاكاديمي والكاتب احمد أبو مطر استثنى الطبقة المثقفة من هذه المعادلة .

وهناك أيضا من أقر بخطورة مفهوم التطبيع لكن باستثناء واحد ومنهم الدكتور نصار ابراهيم ،مدير مركز المعلومات البديلة، فقد أقر بأن التطبيع مفهوم واسع ويحمل معاني عدة فهناك تطبيع اقتصادي واخر ثقافي وأجتماعي وهو يعارضها بدون شك لكن بحدود . فهو يرى بأن هناك منظمات وأفراد ومؤسسات اسرائيلية مناهضة للاحتلال ومثلها لاضير من التنسيق واقامة العلاقات معها بغرض تحقيق السلام العادل لكن بشرط أن توضح هذه المنظمات موقفها السياسي من الاحتلال الاسرائيلي. اذن فالاستثناء هنا ليس المثقفين بل المؤسسات المناهضة للاحتلال فقط.

اذن ، نستنتج مما سبق ،أن لا مفهوم محدد وضع حتى الآن للتطبيع، لكن هناك اتفاق مبدئي عند معضم المفكرين على أنه خطر كبير وهزيمة معلنة. حتى من عارضوا هذه الفكرة ،وضعوا استثناءات متعددة يصعب تقبلها وبالتالي التعامل بها.

برأيي الشخصي انا اميل الى رأي الأكاديمي أحمد أبو مطر وهو أن التطبيع هزيمة، خذلان اذا صح التعبير وهو ورقة المنهزمين الأخيرة التي لعبها السياسيون العرب للهروب من المسؤولية القومية أمام القضية الفلسطينية. وأن الطبقة المثقفة من شعراء وأدباء ومفكرين هم مستثنون من هذه السياسة لأن دورهم الوطني يفرض عليهم خلق جسر للتواصل بين الشعبين بعيدا عن السياسة و احجياتها المعقدة.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM