“هارلم شيك” في شوارعنا

 في أواخر الشهر الماضي، إعتقلت الشرطة المصريّة أربعة طلّاب رقصوا بملابسهم الداخلية على إيقاع أغنية “هارلم شيك” التي تكتسح موقع التواصل الاجتماعي Youtube منذ أوائل فبراير.

الطلّاب المصريّون لم يكونوا الوحيدين الذين حمّلوا مقاطع مصوّرة لرقصتهم على الإنترنت. ففي تونس، أمر وزير التربية و التعليم بإجراء تحقيق مع مجموعات قامت بالأمر نفسه في عدة مدارس في الدولة. في الوقت ذاته، وجد العديد من الشباب السعوديين نوعًا جديدًا من المرح في الرقص على إيقاع الأغنية في بيوتهم وبين أصدقائهم. ولكن التطوّرات التي أدّت إلى اعتقال البعض و التحقيق مع الآخر دفعت بالشباب المصري و التونسي للنزول إلى الشارع والهتاف ضدّ الحكومة والقيود الاجتماعية والسياسية – وهم يؤدّون الرقص الهستيري ويهتفون  على أنغام “هارلم شيك”.

نعم، لقد وجد الشباب إيقاعًا جديدًا للثورة. الأغنية من إنتاج منسّق ومنتج أغاني أمريكي، ولكن شهرتها تعود إلى مقطع مصوّر لمجموعة من  طلاب  أستراليّين يؤدّون الرقصة  وهم يلبسون  الأقنعة، الأزياء الغريبة، ويقومون بالحركات الهستيرية التي أضفت  حسًا فكاهيًا ما جعل الرقصة مميّزة لدى العديد من الناس.

الغريب في الأمر، أن الملايين من الشباب في العالم العربي يتابعون الكثير من الموضات والتعليعات التي تنتشر على الـ YouTube. فقبل “هارلم شيك” انتشرت النسخات العربية من أغنية العام “غانغام ستايل”. ففي السعودية كان اسمها “أبو سروال وفانيلة”، وفي مصر “هوبا إيجبشن ستايل”، وفي لبنان “صيدا ستايل”. فكيف تجد هذه الأغنيات شهرتها في الشارع العربي؟ ولماذا تستقطب الملايين منهم؟

الإحصائيات تشير إلى أرقام مذهلة. بالنسبة لكلية دبي للإدارة الحكومية في تقريرها حول مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية، أكثر من 167 مليون مقطع فيديو يشاهد في العالم العربي يوميًّا، مما يضع المنطقة  في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث عدد المشاهدات. تتصدر السعودية الدول العربية في عدد المستخدمين، وتتبعها مصر، المغرب، ثم الإمارات. وبينما يتم تحميل ساعة كاملة من الفيديو في كل دقيقة في المنطقة، تتم مشاهدة 90 مليون فيديو في السعودية في اليوم الواحد، وهي النسبة الأعلى في العالم.

لا شك  أنّ عدد المستخدمين في تزايد، وبأن ثورة الشبكات الاجتماعية في تقدم سريع. وإن نظرنا إلى بعض الأسباب وراء انجرار الشباب إلى الموضات الغربية، والتي عادة ما تفتقر للمعنى و المضمون، نرى بأن السبب الرئيس هو الاختناق الاجتماعي الذي يسيطر على العالم العربي. فمثلاً، في السعودية، لا يمكن للشباب الذهاب إلى دور السينما لأنه ببساطة لا يوجد أيّ منها. الحركة الاجتماعية المحدودة تدفع بالشباب إلى قضاء معظم وقتهم على الشبكات الاجتماعية التي تمكّنهم من التواصل مع بعضهم البعض. فالمضمون الساخر و الفارغ من أي معنى يعد نتيجة طبيعية للفراغ و البطالة والتقييد الفكري و الاجتماعي الذي يعيشه الشباب. ومن ناحية أخرى، ينتشر التقليد في مجتمعنا كمحاولة للتقرب و الاتحاد مع الثقافة الغربية التي باتت أقرب إلى الأجيال الشابة من ثقافة المنطقة التي تحرسها قيود الدين و التقاليد الاجتماعية.

فإن كان احتضان التقدم والتطور أمرًا حتميًّا على أي مجتمع، فلتُتّخذ هذه الظواهر المجتمعية كمؤشرات حيوية لخطر خسارة الهوية وعبقرية الشباب. فتعديل القوانين و التقاليد لتفسح حرية أكبر للشباب خير من خسارتهم بالكامل بسبب   الفراغ الثقافي و الاجتماعي الذي يكتسح مجتمعاتنا كالنار في الهشيم.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM