“ازدواجية المعايير” ليست فقط واحدة من أهم مميزات السياسة الأمريكية, بل يبدو بأنها غزت الحكومات والشعوب العربية كذلك. و لعل مثالا على هذه الازدواجية في المعايير يتجلى في مواقف الشعوب من الثورات العربية عامة, و موقفهم من الثورة الحاصلة في بلادهم . فقبل قيام الثورة السورية بارك الشعب السوري بكل أطيافه الثورة التونسية ومن بعدها الثورة المصرية, ولكن عندما أنتقلت عدوى الثورات إلى الشارع السوري, انقسم هذا المجتمع إلى قسمين, بعضهم حلل وبارك ودعم هذه الانتفاضة, والبعض الاخر هاجم هذه الثورة واتهمها بالعمالة وخيانة الوطن.

لكن كل طرف من هذه الأطراف يبرر موقفه بعدد من الحجج والبراهين التي تدعم وجهة نظره. ” فالمتظاهرون” في سوريا يتهمون النظام بارتكاب مجازر حرب ضد الإنسانية إضافة إلى مصادرة الحريات واتباع سياسة تكسير الأقلام وكم الأفواه. والأهم من ذلك أنهم يحملون النظام مسؤولية المشاكل الاجتماعية المنتشرة في المجتمع السوري ابتداءًا من الفقر المنتشر بين السوريين على نطاق واسع, وانتهاءً بالجهل المتفشي بين أبناء الطبقة الفقيرة بشكل مأساوي. أما بالنسبة لمؤيدي النظام, فإن النظام بريء من كل هذه التهم على حد تعبيرهم.

فهم يرون أن النظام هو الحامي الوحيد للبلاد من أي تهديد, وأن سقوطه سيكون بمثابة الشرارة التي سوف تشعل نار الحرب الأهلية التي سوف تأتي على الأخضر واليابس وتفتك بالدرزي والمسيحي والسني والشيعي. بل و إنهم يجزمون بأن سقوط النظام سيفتح الباب أمام اسرائيل للهجوم وضرب الامن القومي السوري , وما إلى ذلك من عصابات مسلحة و مجموعات سلفية متشددة مثل الأخوان المسلمين التي قد تسيطر على مقاليد الحكم في المستقبل. لكن في النهاية الحكم هو من حق المتابع للأحداث.

فما هو سر ذلك التحالف الغريب والغير منطقي والخارق للتقاليد,” تحالف إخوان المسلمين والولايات المتحدة وإسرائيل”, من أجل ضرب دولة الممانعة وبالتالي ضرب للتحالف الإقليمي لحزب الله وسوريا وإيران؟!. وما هو التفسير المنطقي لوجود عشرات الآلاف من المسلحين والسلفين داخل دولة تملك واحد من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط, إضافة إلى أكثر من ثلاثة عشر فرع أمني منتشرة من أقاصي البلاد إلى أدناها؟ وما هو حجم هذه العصابات المسلحة لتي أنهكت الجيش والفروع الامنية طيلة عشرة أشهر رغم كل الضربات الموجعة التي وجهتها الحكومة لتلك العصابات, على حد تعبير السلطة, مع العلم أن الجيش السوري منتشر في معظم المدن السوريا من درعا في الجنوب حتى دير الزور في الشرق.

من جهة أخرى، إن لم يكن في سوريا جماعات مسلحة ,فمن المسؤول عن موت المئات من رجال الجيش والشرطة؟ .فمصطلح ” سلمية” لا ينطبق على الثورة السورية على حد تعبير النظام. إضافة الى أن أعضاء ما يسمى” المجلس الوطني الانتقالي” عاجزون عن أخذ موقف موحد حيال العديد من القضايا الشائكة, وهذا ما يقف وراء عجز هذه المعارضة عن قيادة الشعب و إدارة أمور البلاد في حال سقوط النظام.

لكن في النهاية, الخاسر الوحيد جراء استمرار الاضطراب الامني في سوريا هم السوريون وحدهم سواء المؤيدين منهم أو المعارضين, فالنتيجة كما نراها اليوم هي أكثر من 5000 قتيل, والآلاف من الجرحى ,وتردي للوضع الاقتصادي والأمني في عموم البلاد. من هنا جاء عنوان مقالتي فالحكم دائمًا لكم.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM