وبعد عام من الاشتياق، التقيت بقلمي

مجموعة من صور الطلبة في الجامعة الأمريكية في دبي، تصوير: نورما عليان

قبل ما يقارب العام، كانت التفاصيل البسيطة تحمل معاني كثيرة. كنا نتلذذ بكوب القهوة الصباحية وصدى ضحكاتنا تتعالى في أروقة الجامعة. كان للكتاب شغف الطلبة الذين يتمتعون بتأمل أحرفه، و الليل ينتظر النهار بفارغ الصبر لتلتقي النفوس يوم غد في المدرجات والقاعات الدراسية، ويتجمع الرفاق والبهجة تشع من أعينهم عند لقائهم.

 تلك الأمور التي لا تشترى ولا تباع بثمن، هي أمور تعاش فقط. باتت الأحلام ناقصة، ولم يعد للكتاب رفيق يتمعّن بقراءته، ولم تعد الضحكات تعم الممرات، ولم تعد الحياة كما كانت ولم نعد نحن ما كنا عليه بسبب استيلاء وباء على البشرية، زعزع عرش الطمأنينة وأسقط تاج الصحة عن رؤوس الملايين من البشر حول العالم، وسلب من طلبة الجامعات تفاصيل كانت تحييهم.

فبعد عام على انتشار وباء كوفيد -١٩  وتطبيق المدارس والجامعات منهاج التعليم عن بعد للحد من انتشار الوباء والحفاظ على سلامة الطلبة والمدرسين، اعتنقت بعض الجامعات ومنها الجامعة الأمريكية في دبي، منهاج التعليم الهجين والذي يمزج بين نظام التعلم وجهًا لوجه، والتعلم عبر الإنترنت.

وبهذا فقد تسنت لي فرصة العودة إلى قاعات الجامعة لحضور المواد الأساسية التي التحق بها في الفصل الثاني من العام الدراسي ٢٠٢١- ٢٠٢٢ بعد قرار الجامعة بأن ترضخ لخيار تطبيق المواد العملية مثل الاستوديو والمختبرات في الجامعة مع الالتزام بالتباعد الجسدي بحيث يتلقى الطلبة المناهج من خلال التواجد جسدياً في الصفوف.

ولكن بعد عودتي إلى الجامعة فقد تأكدت بأنه لا غنى عن حضور الطلبة لصفوفهم تحت سقف الحرم الجامعي، فقد اختلفت تجربتي بالدراسة عن بعد ووجهاً لوجه بشكل فارق، بحيث استطعت أن أستجمع أفكاري واستوعب المعلومات التي أتلقاها بشكل أفضل لأن رؤية كل شيء بالعين المجردة ترسخ المعلومة المنقولة في رأسي بشكل أدق.

استطعت من خلال التواجد في القاعة الدراسية هذا الفصل، أن أستفيد وأتعلم أساسيات المواد الصحفية والاستفادة عن طريق تطبيق اجتماعات تحريرية ومناقشة قضايا عالمية وجهاً لوجه.

 ورغم من أنه يسمح لي بحضور مادتين فقط في الجامعة، إلا أنه اكتفيت بتلك الساعات القليلة التي استطعت أن أسترجع بها ذكريات السنوات الماضية من خلال رؤية زملائي من جديد وقضاء وقت ثمين معهم، بعدما كان علينا توديع مقاعد الدراسة قبل سنة.

 الموازنة بين التعلم والسلامة أمر صعب، لا شك في ذلك. مضيت سنة وأنا أكرر بيني وبين نفسي عبارة “أفتقد جامعتي”، لأنه بدت لي الحياة للحظة غير طبيعية وأنا على بعد تام عن جميع العلاقات الاجتماعية والاختلاطات والمحادثات التي كنت أعيشها لحظ بلحظة يومياً.

ورغم أنني استطعت التأقلم مع منهاج التعليم عن بعد، إلا أنه لم أستطع التخلي عن الأمل بأنه يوماً ما، سنستعيد تلك اللحظات التي لا تقدر بثمن، ونعوض الأشهر التي قضيناها خلف الشاشات. ولا أزال أعتقد أنه سيأتي يوماً نتخلص فيه كلياً من الوباء ونحن نردد “وأخيراً” بتنهّدات تخرج من صميم قلوبنا، وشعور الخوف الذي أحاطني بأنني لن أستطيع تأدية مهامي الصحفية على أكمل وجه، ها هو يتلاشى تارة بتارة مع مرور الوقت.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM