واقع المرأة العربية: مكانكِ راوحي

يقول ابن رشد:” لن يرقى المجتمع العربي إلا إذا كفَّ الرجل عن استعمال المرأة لمتعته وقصر نشاطها على البيت”. فالمفهوم السائد في معظم بلدان الوطن العربي، هو أن المرأة خُلِقَتْ لتخدم فقط، ومهمتها إسعاد الرجل والاهتمام بالعائلة. ظلم المجتمع المرأة، وأزال وجودها بين الناس لتكون فقط تابعةً للرجل في كل شيء، ولو بالقوّة، حتى وإن وصل الأمر إلى العنف والاغتصاب. فما هو وضع المرأة العربية؟ ومن يحميها من العنف؟

في ظل الأوضاع الراهنة والحروب التي تعيشها بلدان عربية عديدة، أصبحت المرأة اللاجئة معرضة للعنف أكثر من أي وقت. فبحسب موقع  بي بي سي تعاني اللاجئات من ضغوطات إضافية نظراً لانتقالهنّ من مجتمعاتهنّ الأصلية، إلى مجتمعات مختلفة قد لا تتوفر فيها شبكة الحماية الاجتماعية نفسها، والتي ربما تساهم في دعم المرأة. وتبرز أهمية هذا الموضوع  بشكل خاص بسبب العدد الكبير من اللاجئات العربيات بسبب الصراع في عدة دول، من بينها سورية واليمن.

كشفت دراسة متخصصة أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في عام 2014 في الأردن، أن أكثر أنواع العنف الأسري ممارسة هو العنف الجسدي، الذي بلغت نسبته 86 في المائة. وتشمل أكثر حالات التعنيف الأسري ممارسة الضرب ثم الشتم والتحقير، وصولاً إلى الحرمان من  المال. وفي المغرب، وبحسب إحصائيات رسمية فإن أكثر من 4 ملايين امرأة يتعرضن لعنف جسدي منذ بلوغهنّ سن الـ 18. واحتلت المرأة المعنّفة على يد زوجها الصدارة في الترتيب بنسبة تجاوزت الـ 50 في المائة.

أشكال العنف

دراسة أخرى أقيمت على عينة عشوائية من 2000 أسرة للكشف عن العنف ضد المرأة في مدينة الزرقاء – الأردن، أظهرت أن أكثر أنواع العنف الذي تتعرض له الزوجة هو العنف النفسي، ومن أِشكاله التحقير والسخرية بألفاظٍ بذيئة، والشتم أمام الآخرين. وأكدت الدراسة على أن ردود أفعال المعنّفات كانت الاستسلام، ثم البكاء والصراخ، واللجوء إلى الأقارب.

ثانياً، يشهد العنف الإجتماعي ضد المرأة إرتفاعاً، إذ  أشارت دراسة في الأردن عام 2002 إلى تشكيل نسبة وجود نسبة 56%  من أشكال العنف ومن أكثر الأنواع شيوعاً هو حرمان الزوجة من العمل خارج المنزل. أما بالنسبة إلى الأرقام الصادرة عن إدارة حماية الأسرة في عام 2006، وصلت حالات العنف إلى ما يقارب 1764 حالة، 794 مقسمة على الشكل التالي: 731 قضية  إعتداء جنسي، و63 قضية إعتداء جسدي.

ثالثاً، العنف الجنسي والذي تجسد في عملية الإتجار بالبشر، قد استغل ذلك في الحرب السورية إثر تعرض النازحات السوريات للإتجار بهن، وأشهرها قضية “شي موريس” في لبنان، نادي الدعارة الذي تمّت مداهمته في آذار2016 والذي احتُجزت فيه عشرات النساء السوريات المستغلّات. وفيما أضاءت جمعية “كفى” على التقصير في معالجة الدولة لهذه القضية، وخاصة النقص في تنفيذ قانون مكافحة الاتجار، والتبليغ عنه، والتنسيق بين عناصر الشرطة، وتوفير الدعم للناجيات من الاتجار بالأشخاص.

تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: العنف بشتى أنواعه وأشكاله، أخذ حيزاً واسعاً في المجتمع وعلت أصوات المظلومات، فما هي الحلول المقترحة للحد من هذه الظاهرة؟

 

في لبنان، سعت جمعية  “كفى” الى حماية المرأة المعنّفة من مختلف الجوانب من خلال تأمين أخصائية نفسية، إضافة الى توكيل محام للدفاع عن المرأة المعنفة واستشارات قانونيّة مجاناً، إذ ارتفعت نسبة النساء المعنّفات سنويّا في الجمعية، من 400-500 سيدة في السنوات الماضية  فوق ال 1000 امرأة عام 2015.

يذكر موقع Reliefweb التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أنّ 14% من الفتيات في العالم العربي تمّ تزويجهنّ قبل بلوغهنّ سنّ الـ18. يؤكّد أنّ 37% من النساء في العالم العربي تعرّضن لعنف جسدي أو جنسي لمرّة واحدة في حياتهن على الأقلّ. ويضيف أنّ الإحصائيات تشير إلى أنّ النسبة قد تكون في الحقيقة أعلى، إلا أنّ غياب الإحصائيات التي يمكنها أن توثّق جميع الحالات يمكن أن يغيّر في النتيجة.

وفي السنوات الأخيرة، وضعت بعض القوانين التي تساعد في الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة العربية.  في مقالٍ نشرته بي بي سي، ردَّ المغرب اعتبار المرأة وحماها في قانونٍ قد أقرّه في 14 شباط، وأتى على الشكل التالي:” بعد سنوات طويلة من الجدل والنقاش، أقر البرلمان المغربي قانوناً لمكافحة العنف ضد المرأة يوم الأربعاء 14 فبراير/شباط، وهو ما أعتبرته وزيرة المرأة وشؤون الأسرة المغربية، بسيمة الحقاوي، انجازاً كبيراً. ويعرف القانون الجديد العنف ضد المرأة بأنه: “كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”.

أما في تونس، فقانون العنف ضد النساء، الذي يشمل العنف الأسري، والذي أقره البرلمان التونسي في 26 يوليو/ تموز 2017، يُعدّ خطوة مفصلية لحقوق المرأة. إلاّ أنّه على السلطات التونسية أن تضمن وجود ما يكفي من التمويل والإرادة السياسية لوضع القانون موضع التنفيذ الكامل والقضاء على التمييز ضد النساء.وقد قالت آمنة القلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس: “يزود القانون التونسي الجديد النساء بالتدابير اللازمة لحصولهن على الحماية من أعمال العنف التي يرتكبها أزواجهن أو أقاربهن أو غيرهم. على الحكومة الآن تمويل ودعم المؤسسات لترجمة هذا القانون إلى حماية حقيقية”.

أما في لبنان، أعرب المحامي جان بول سماحة، عن موقف القانون تجاه العنف التي تتعرض له المرأة، فقال:” ينص القانون اللبناني 293 التالي: قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري.

المادة الأولى : تطبق أحكام هذا القانون على قضايا العنف الأسري وفق القواعد المبينة في المواد اللاحقة.

المادة 2: يقصد بالمصطلحات الآتية، أينما وردت في القانون، ما يأتي:

  • الأسرة: تشمل أي من الزوجين والأب والأم لأي منهما والأخوة والأخوات والأصول والفروع شرعيين كانوا أم غير شرعيين ومن تجمع بينهم رابطة التبني أو المصاهرة حتى الدرجة الثانية أو الوصاية أو الولاية أو تكفل اليتيم أو زوج الأم أو زوج الأب.

  • العنف الأسري: أي فعل أو إمتناع عن فعل أو التهديد بهما يرتكب من أحد أعضاء الأسرة ضد فرد أو أكثر من أفراد الأسرة وفق المفهوم المبين في تعريف الأسرة، يتناول أحد الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ويترتب عنه قتل أو إيذاء جسدي أو نفسي أو جنسي أو إقتصادي.

ومن جهته، أعرب سماحة في حديث معنا عن أسفه لما يحصل بشكل عام للمرأة اللبنانية، خصوصاً من عنف وضرب وتحرش جنسي، والذي يؤدي إلى تعنيفها، مضيفاً:” تعيش المرأة اللبنانية المعنفة خصوصاً والعربية المعنفة عموماً، حالةً من الخوف تجاه الرجل، إذ لا تجسر أن تتقدم ببلاغٍ خوفاً من النتائج الوحشية. ومن جهةٍ أخرى، نسبة العنف تجاه المرأة تزداد بشكلٍ خطير، ومن هنا أتوجه إلى كل امرأة معنفة أن تتقدم ببلاغٍ إلى الجهات الأمنية والجمعيات للمساعدة من دون خوف. فالقانون سوف يأخذ مجراه تجاه المسبب، والعدل بحق المعتدي سيُطَبَّقْ.”

إزاءً بالقوانين المترتبة، عمدت بعض الدول إلى القيام بحملاتٍ إعلامية، هدفها نشر التوعية وإنهاء العنف، وتجلّى ذلك في إطار حملة “لأني رجل”، حيث انتشر مقطع فيديو باللهجة المصرية يظهر رجلاً يتحدى عدداً من العادات الاجتماعية والمفاهيم التي ترسخ أدواراً اجتماعية تقليدية للرجل والمرأة.

كذلك، أطلق المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية حملة الـ ١٦يوما لمناهضة العنف ضد المرأة من سنتين، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، خلال احتفال اكتسى باللون البرتقالي، رمز مناهضة العنف ضد المرأة، تحت شعار “دون استثناء أحد: لا للعنف ضد النساء والفتيات”.

تم من خلال الحملة الرامية للقضاءعلى هذا الوباء، إطلاق نتائج الدراسة الاستقصائية الدولية الأولى من نوعها وحجمها بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك في الأربع دول محل الدراسة وهي مصر والمغرب ولبنان وفلسطين.

كما تم أيضا إطلاق حملة أخرى تحت عنوان”لأني رجل” التي تدعو الرجال إلى المشاركة في تحقيق تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين، وتتضمن حملة فيديو وتجربة اجتماعية باستخدام تقنية الواقع الافتراضي يخوض من خلالها الرجال مواقف تتعرض لها النساء تتعلق بالتحرش الجنسي والعنف.

رغم بعض الإنجازات  في بعض الدول العربية لحماية المرأة، لا تزال الأخيرة عرضةً للعنف اللفظي والجسدي. فالقوانين التي وضعتها الأقضية بات مفعولها يسري، لكن بشكلٍ بطيئ. وبظلٍ الحملات الإعلامية التي أقيمت ضد العنف والتحرش الجنسي، والزواج المبكر وغيرها، لا نزال نطرح السؤال التالي: من يحمي المرأة العربية؟

كابشن الصورة: صورة تعبيرية تظهر العنف ضد المرأة من موقع موضوع

 

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM