هواجس الحب والأخلاق… في الرواية الأولى للدكتور موسى برهومة

“حتى مطلع الشغف”، هكذا عَنْوَن الدكتور والصحفي موسى برهومة روايته الأولى التي صدرت في نهاية عام 2017. هي “رواية أفكار” أكثر منها أحداث كما عبر د. برهومة في لقاء لنا معه، تتمحور حول صحفية لا يذكر فيها برهومة اسمها أو جنسيتها أو الكثير من ملامحها، بل يكتفي بالشعر الأسود والعينين العسليتين والقوام الجميل، وجرأة جعلت منها إمرأة تسير عكس التيار في كثير من الأحيان وتتعامل مع الحياة بأسلوبها الخاص لكثير من الأخلاقيات الاجتماعية.

في الرواية تسعى الصحافية ذات الأصول المسلمة، في لحظة يقين، البحث عن حبها الأول، فادي، من أصل مسيحي، واللحاق به، رغم زواجها من رجل آخر. تخوض رحلة البحث، لتتخلص من القفص الذي وضعت قضبانه حولها منذ سنين وأضرمت نيران الحب والشغف في داخلها. لكنّ عقبات كثيرة من أفكار وتساؤلات تحول دون أن تصل الكاتبة/ البطلة إلى ما تسعى إليه في رحلتها.

قابلنا د. برهومة وطرحنا عليه بعض الأسئلة حول الرواية.

– لماذا اخترت أن تكون الشخصية الرئيسية صحفية؟ وإن اتصفت بالتمرّد، فلماذا لم تقاوم المجتمع والعائلة في فترة معينة من الزمان لترتبط بمن تحب؟

اخترت شخصية الصحفية لطبيعة عملها التي تجعلها قادرة على الوصول إلى ملفات كثيرة. فالصحفي يستطيع أن يخوض ويتحدث في قضايا متعددة. بالنسبة لفكرة التمرّد، فهي تعتمد على القراء والمحللين، فزواجها من رجل لا تحبه هو بسبب إكراهات الحياة، وكان بعد اختلال علاقتها بفادي (الرجل الذي أحبته في الجامعة) وهذا لا يقلل من تمردها كشخصية. فالموانع كثيرة، منها اختلاف الأديان، وضغط المجتمع وعائلتها للزواج. لذلك قررت أن تخوض هذه التجربة. إذاً هل هي شخصية متمرّدة؟ برأيي نعم، إنها كذلك، فلا يوجد في الحياة تمرّد كامل، هناك تمرّدات فقط. وأنا حاولت بناء شخصية من لحم ودم، نراها في الشارع، لا شخصية خارقة تفعل المستحيل.

-هل الشخصية كانت انعكاساً لتجربة معينة، تجسّد شخص معين أم أنها شخصية مكثفة لتجارب كثيرة وشخصيات عديدة؟

رسمت هذه الشخصية بحيث تجمع عدة عناصر، قادرة على الإقناع. فهي مثلاً إنسانة ناجحة ومثقفة وجميلة. كلّها عناصر تعطي مساحة كبيرة من الحركة للشخصية. هذه المرأة هي نتاج عناصر متداخلة في ذهني وفي لحظة من لحظات الكتابة قمت بالفصل بين موسى الكاتب وموسى القارئ، فوجدت أنني عندما تعاملت مع الشخصية كقارئ، انجذبت إليها بقدر أكبر.

-ولماذا لم تعطِها إسم؟

كنت أريد أن تكون الشخصيات والأماكن والأزمنة دون دلالات موحية أو واضحة، ولجأت إلى الإبهام لأنني أعتقد أن هذه الشخصية ليست شخص معين. هي كل النساء، وامرأة  لديها قدرة على تحطيم الأواني الاجتماعية التي وضعت في داخلها. وبالتالي، لم أمنحها اسماً لأن الاسم يحدد الكيان، كذلك المكان والزمان لم أذكر البلد أو المكان الذي تنتمي إليه، وبأي سنة تعرضت للأحداث المذكورة.

-بماذا يرتبط مفهوم الخيانة لديك في الرواية؟

هناك عدة شخصيات تطرح فكرة الخيانة، الصحفية والدكتورة والنحات، لذلك قال لي الكثير من القرّاء أن الرواية هي رواية أفكار. وجزء من هذه الأفكار مساءلة  فكرة الخيانة، لذلك حاولت شخصيات الرواية التي واجهت هذا السؤال أن تبين أن الخيانة لها دلالة اجتماعية ودينية وأخلاقية لا نستطيع أن نعمّمها على الجميع. تتساءل هذه الشخصيات، إذا بقي تفكيري مرتبطاً بحبيبي الأول، هل هذه خيانة؟ إذا حاولت أن أتمرّد على هذه العلاقة الزوجية التي تسجنني، هل هذه خيانة؟ إذا أطلقت لمشاعري العنان، هل هذه خيانة؟ هل الله يكون غير سعيد إذا كان عبده سعيد؟ هل الإنسان خلق لأن يكون عبداً لهذه القوانين الاجتماعية والأخلاقية والدينية؟ طرحتُ تلك الأسئلة لخض هذه المفاهيم، كي أقول أنّه لا يوجد مفاهيم مطلقة. فالبعض يقول من حقي أن أعيش اللحظة من دون أن أدمر البنيان. وآخرون يعتقدون أن مجرد التفكير بشخص آخر هو خيانة (خيانة نفسية). فالشخصيات في الرواية تتبع فلسفة الأخلاق الفردية، أي أن يضع كل فرد قانوناً أخلاقياً خاصاً به تبعاً لتجاربه وأفكاره، طبعاً إن كان هذا لا يتعدى على حرية الآخرين.

-بالنسبة للغير كانت رواية أفكار. ماذا عنك، هل تعتقد أنك صغت رواية أفكار أو رواية تبعاً لتجربة شخصية أو انعكاس لعدة تجارب؟

هي مزيج من الأمرين، ولكن الرواية ليست سيرة، هي خليط من خبرات ومشاهدات وتجارب وأفكار وقراءات، والسينما لعبت دور أساسي في تكوين ورسم الشخصيات وخاصة أنني مدمن للسينما. فكل هذه الصور والمشاهد، خليط للتجارب الممتدة. كان هناك أفكار، وكانت الأفكار جزءاً من تركيب الشخصيات المتسائلة والناقدة، لذلك هي تسأل كل شيء يخطر في بالها. ربما لدراستي الفلسفة، دوٌر كبيٌر في ذكر بعض المفاهيم والمصطلحات الفلسفية لا سيما الفلسفة الأخلاقية. لذلك هذا المزيج هو الذي صاغ أحداث الرواية.

– كم من الوقت أخذت لإنهاء الرواية؟

الرواية كتبت على زمنين، حاولت ألا أجعل القراء يدركوها. كتبت هذه الرواية كمسودة أو نسخة أولى قبل أكثر من عشرين سنة، وكنت في تلك الفترة مدفوعاً بشغف وإحساس أنه لا بد لي من كتابة رواية، ولكن داهمني شعور اللاجدوى، الذي لطالما داهمني في كثير من الأعمال. ولكن بعد عشرين سنة شعرت أنني بحاجة للكتابة مرة أخرى، وذكرت هذا في الرواية، عندما شعرت أنني كسدّ تجمعت خلفه المياه ولا حل أمامه إلا الانفجار، وخاصة أن الناس قبل ذلك عرفوا موسى الكاتب والصحفي والناقد فقط، فهذه كانت فرصة للتعرف على الجانب الآخر، لذلك أكملتُ  العمل. وبعد انتهائي من الرواية شعرت بالكآبة لأنني لا أعتقد أنني فعلت شيئاً كبيراً وأن روايتي لم تضف أي شيء للأدب، فلماذا قد أنشر عملاً لا يضيف أي قيمة؟ لذلك عرضت العمل على أصدقائي، كتَاب ونقاد وروائيين قبل اتخاذي قرار النشر، وكنت أريد الحصول على الرفض إلا أنهم جميعاً تحمسوا للفكرة. طبعاً هذا أعاد لي الثقة بما فعلت. وتفاجأت كثيراً بردود الناس الإيجابية، ولم أتوقع احتفاءهم بهذا الشكل.

– ماذا تريد النساء؟ طرحت هذا السؤال في الرواية، ولكنك ككاتب قمت بشرح الكثير من المشاعر والتفاصيل للصحفية، من المنظور الأنثوي والذكوري  فكيف قمت بهذا الفصل؟

هذا كان أصعب تحدي واجهني، أي وصف مشاعر المرأة. أعتقد أن طبعي الفضولي سنح لي الفرصة باقتناص المشاعر والتصرفات من تجارب الآخرين، والتأمل في ما حولي من تفاصيل. لذلك استعنت بخبرتي، وتجربتي وبكثير من الكتَاب والفلاسفة. والسينما أفادتني كثيراً في هذا الموضوع. فانبهر الناس بالأنثى التي بداخلي.  

يذكر أنّ الكاتب يحمل درجة الدكتوراه في الفلسفة، ومارس العمل الصحافي لأكثر من 30 عاماً، ويعمل حالياً أستاذاً للإعلام في الجامعة الأميركية بدبي. صدر له “هذا كتابي” عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت عام 1997، كما صدر له عن المؤسسة ذاتها كتاب “التراث العربي والعقل المادي” عام 2004، وأعيدت طباعة الكتاب في طبعة ثانية عن دار التنوير في بيروت 2017. كما صدر له كتاب “الناطقون بلسان السماء” عن المركز الثقافي العربي، ومنشورات مؤمنون بلا حدود، في بيروت، والدار البيضاء 2013.

 

الصورة: من صفحة الدكتور موسى الشخصية على الفيسبوك.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM