هل يحتاج الصحفيون في غزة إلى علاج نفسي؟

الحرب على غزة تهدد حياة الصحفيين والمدنيين في المقام الأول، حيث اتخذ الاحتلال الإسرائيلي من التجمعات السكنية والمراكز الصحفية بنكاً لأهدافهم العسكرية؛ وقد استشهد منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر(تشرين الأول) 2023 ما يزيد عن 8000 شهيداً من بينهم 35 صحفياً. وعلى الرغم من استهداف الصحفيين بشكل واضح وصريح إلا أنهم “مستمرون في نقل الحقيقة رغماً عن الاحتلال”، كما قالوا.
وأبلغ المراسل الإذاعي في غزة والمصور مع صحيفة الحدث في رام الله، مثنى النجار، صحيفة (MBRSC POST)، بأنّه “قد تمّ قصف منزله من قبل جيش الاحتلال. وبالرغم من امتلاك الصحفي معداته إلا أنه لا يوجد مكان آمن، والجميع في انتظار لحظة الاستشهاد”. مؤكداً بأنّ “الجميع في غزة يعتبر مستهدفاً، حيث إنه لا يوجد تمييز بين الأفراد”.
فلسطينيون يهربون من قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي على أحياء غزة (أ.ف.ب)
إيصال الحقيقة والحفاظ على السلامة
ولتقدير المخاطر قبل النزول إلى الميدان، قال عضو لجنة السلامة المهنية في نقابة الصحفيين الفلسطينيين بكر عبد الحق لصحيفة (MBRSC POST)، إنّ “تغطية الحروب فيها مخاطر عالية جداً بسبب اسخدام الاسلحة البالستية”، مضيفاً بأنّ “على الصحفي اختيار المكان والمساحة الجغرافية الآمنة قبل نزوله للميدان، حيث يمكن استهدافه بطريقة مباشرة وغير مباشرة، مما يعرضه للاستشهاد أو الإصابة في أي لحظة”.
دمار جراء غارات إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
وفي هذا السياق، قالت الصحفية الاستقصائية في مدينة الخليل الفلسطينية، ليندا ماهر لصحيفة (MBRSC POST)، إنّ “على الصحفي ارتداء السترة وعدم الانحياز عند التغطية، وأيضاً عدم الانجرار وراء السبق الصحفي دون التحقق من مصداقية الأخبار والمصادر؛ التي من الممكن أن تكون عبارة عن إشاعات”. وأردفت: “على الصحفي معرفة الجهات المسؤولة على الأرض، حتى توفر له الحماية، وبناء العلاقات التي يمكن أن تساعده في أخذ المعلومات”.
وعن طريقة استخدام المعدات أثناء الأزمات، أكدت الصحفية الاستقصائية سامية عايش لصحيفة (MBRSC POST)، بأنه يتوجب على الصحفي “الحرص على بقاء الإنترنت والكهرباء والشاحن بشكل محدود، وعليه استعمال المعدات بشكل غير مستهلك”. أما بالنسبة لتدريب الصحفي على تغطية الحروب والأزمات، فبيّنت عايش: “يتم تدريب الصحفي على الجانب النفسي والعاطفي والجسدي، كي يتمكن من السيطرة على نفسه وإكمال التغطية”.
طفلان فلسطينيان يبكيان في تشييع أفراد من عائلتهما في غزة
وعما إذا كانت الحرب على غزة تختلف عن باقي الحروب، أجاب المصور الصحفي في صحيفة الحدث من الخليل، مصعب شاور لصحيفة (MBRSC POST) أنّ “الحرب في فلسطين مستمرة منذ عام 1948 مقارنة بحروب العالم التي تبدأ وتنتهي بوقت قصير”.
وعن طلب الإجازة في ظل الحرب على غزة، أجاب الصحفي الذي يعمل بدوام جزئي في قطاع غزة محمود ماهر زقوت لصحيفة (MBRSC POST)، بأنه “لا يمكن للصحفي أخذ استراحة أو طلب إجازة طوال فترة الحرب، بل يتوجب عليه الاستمرار في التغطية على مدار 24 ساعة”.
كيف يخرج الصحفيون من بين الأشلاء؟
يحمل الصحفي الفلسطيني في غزة كاميرته في يده وأشلاء الأطفال والضحايا في يده الأخرى. حيث قال الصحفي من قطاع غزة حسن اصليح لصحيفة (MBRSC POST): “يومياً يشاهد الصحفي مختلف الفئات العمرية التي تستغيث من تحت الركام وتصاب أو تستشهد، بالإضافة إلى رؤية أشلاء الضحايا”. مشيراً إلى أنّ “هذه المشاهد توثر على نفسية الصحفي، مما يجعله بحاجة إلى رؤية طبيب نفسي”.
وبخصوص المرحلة التي يحتاج فيها الصحفي لمراجعة الطبيب النفسي، أجاب الصحفي من مدينة خان يونس بقطاع غزة خليل الآغا لصحيفة (MBRSC POST)، بأنّه “مع كل حدث وتغطية يلزم مراجعة الطبيب النفسي، إلا أنّ الأمر يختلف في فلسطين وغزة، فلا يوجد متسع من الوقت لرؤية طبيب نفسي، حيث يعتبر ذلك نوعاً من الترف والرفاهية بالنسبة للصحفيين في فلسطين، خاصة في ظل الأحداث المتسارعة والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة”.
صحفي يحمل سترة واقية ملطخة بالدماء للصحفي الفلسطيني الشهيد محمد صبح. (رويترز)
ووفقاً لمستشار الطب النفسي في مستشفى الأمل للصحة النفسية في دبي، محمد بردي فإنّ “المَشاهد المؤلمة في غزة قد تسبب اضطرابات في المزاج والمشاعر، مما قد تؤدي إلى القلق الزائد ونوبات الهلع والاكتئاب الشديد”، موضحاً بأنّ “هذه الأعراض يعاني منها بشكل أكبر الصحفي كونه قريباً من تلك المشاهد”.
وأكمل بردي لصحيفة (MBRSC POST) بأنّه “يتم تشخيص حالة الصحفي تحت مسمى اضطراب ما بعد الصدمة “Post-Traumatic Stress Disorder”، حيث تبدأ الأعراض عند بدء تخيل مشاهد القتل والدمار أمامه ورؤية الكوابيس، بالإضافة لاضطرابات النوم والاكتئاب”.
أما عن طرق العلاج فتختلف بحسب الحالة، “فإذا كان مجرد قلق وهلع عندها يبدأ بالعلاج السلوكي المعرفي الذي يعتمد على الإصغاء للصحفي، كذلك بالأدوية كالمنومات والمهدئات، أما إذا كانت الحالة تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة فالعلاج يحتاج لفترة أطول بمساعدة أدوية مضادة للاكتئاب، بالإضافة إلى التوقف عن العمل الصحفي في التغطية بسبب حالته النفسية”.
وتشهد الحرب على غزة تصاعداً وعنفاً ودماراً منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في الـ7 من أكتوبر، حيث يستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في قصف مختلف أرجاء قطاع غزة من البر والبحر والجو، وكذلك قصف مدن وبلدات في الضفة الغربية، وفي جنوب لبنان، ما أسفر عن وقوع آلاف القتلى والجرحى.