هل تكون الحقيقة أولى ضحايا الحرب في غزة؟

تمتد تبعات الحرب على قطاع غزة، التي دخلت شهرها الثالث، لتطال المؤسسات الإعلامية ومنصات التواصل، فلا تُقتصَرُ الحرب على غزة فحسب بل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث شنّ العديد من مستخدمي وسائل التواصل حرباً إعلامية على برامج التواصل، والمؤسسات الإعلامية الغربية باعتبار أن حرية التعبير على المنصات مقيّدة، ولا مصداقية في نشر الأخبار.

التلاعب بالحقائق

كشفت برامج تحقق تلاعب وفبركة صورة تداولها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي وحساباتٍ رسميةٍ إسرائيلية، زعموا أنها جثة طفلٍ إسرائيلي متفحّم، على يد مقاتلي المقاومة. وكتب حسابٌ أجنبي يحصد الملايين من المتابعين على منصة “إكس” تويتر سابقاً على الصورة التي تبيّن لاحقاً أنه تم معالجتها بالذكاء الاصطناعي وعودتها لكلب وليس لطفل: “هل أردت دليلاً مصوراً لأطفال يهود ميتين؟ ها هو ذا، أيها الكارهون لليهود المثيرون للشفقة. وسوف تقلل إسرائيل من الخسائر في صفوف المدنيين. لكنها لن تسمح ببقاء أشلاء البشر الذين فعلوا هذا. كل قطرة من الدماء تراق في غزة هي على حماس”. في خطابٍ وصفه البعض ب”العدواني” و”المسيء”.

وفي هذا الصدد أوضح الصحفي ومؤسس المرصد الفلسطيني لتدقيق المعلومات “تحقق” بكر عبد الحق لـ MBRSC POST التحديات التي يواجهها في إظهار صحة المعلومات المضللة بالحرب على غزة قائلا: “تكمن التحديات في حجم التدفق الكبير للمعلومات عبر المنصات الاجتماعية، وصعوبة التواصل مع المصادر في قطاع غزة بسبب انقطاع الكهرباء وتدمير شبكات الاتصال، وكون جهد التحقق في غالبه تطوعياً يجعل الصعاب مضاعفة، لأنّ على العاملين والمتطوعين في المنصة الموائمة بين عملهم كصحفيين وميدانيين وبين جهد التحقق”.

وأكّد أنّ “منصات التواصل تتحمل مسؤولية انتشار مثل هذه الأكاذيب، فحتى اللحظة لم نلمس جهداً حقيقياً من قبل هذه المنصات في مكافحة المحتوى المضلل، ومنذ بدء العدوان تم رصد 150 معلومة مضللة سمحت بها منصات التواصل، دون إجراء من قِبلها”.

وتابع: “شركات التواصل غير منفتحة بشكل كافٍ على منصات تدقيق المعلومات، ليتم تزويدها بالتغذية الراجعة بشأن تقارير التحقق التي تجريها هذه المنصات للعمل على حذفها والحد من الوصول لها”.

ومع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، اشتكى آلاف النشطاء على منصتي “فيسبوك” و”إنستغرام”، من أنّ منشوراتهم المؤيدة للفلسطينيين تتعرض للحجب أو الحذف على منصتي التواصل الاجتماعي.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إنّ آلاف المستخدمين نشروا رسائل دعم للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين شرد مئات الآلاف منهم وقتل وأصيب الآلاف بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، قبل أن يفاجأوا بإخفائها أو حذفها.

لكنّ “ميتا” دافعت عن نفسها، مشيرة، كما أوردت “سكاي نيوز عربية”، إلى أنّ بعض المنشورات تم إخفاؤها بسبب “خطأ عرضي” في أنظمة الشركة. وأوضحت: “هذا الخطأ أثر على الحسابات في جميع أنحاء العالم، ولم تكن له أي علاقة بموضوع المحتوى، وقد قمنا بإصلاحه بسرعة”.

إغلاق حساب الإعلامية الفارس

بيْد أنّ منصة “سناب شات” أغلقت حساب الإعلامية علا الفارس في الثاني عشر من (أكتوبر) الماضي بشكل دائم، بعد نشرها محتوى عن الحرب في غزة والضحايا، في تصرفٍ اعتبرته الفارس بأنه “انتهاكٌ واضحٌ وصريحٌ لحرية التعبير وتكميم الأفواه” في منشورٍ لها على منصة “إنستغرام”.

ولتجنّب ما حدث مع الفارس، يلجأ العديد من مستخدمين وسائل التواصل إلى تشفير الكلمات أو وضعها بدون نقاط، لتفادي حجب المحتوى المنشود نشره. ككتابة كلمة فلسطين بالشكل التالي: ” ف ل س t ي ن”.

تبنّي الرواية الإسرائيلية

لا ينتهي الأمر عند منصات التواصل فقط، ففي الوقت الذي تتبنى فيه مؤسسات إعلامية عالمية شعار الحيادية والنزاهة، تأتي أحداث الحرب على غزة لتكشف عكس ذلك. حيث ظهر فيديو مسرب لشبكة (سي إن إن) الأمريكية، عدداً من مراسلين القناة، وفي الخلفية صوت المخرج مطالباً إحدى المراسلات بـ “إبداء الذعر” من صواريخ المقاومة الفلسطينية أثناء عملها، برغم ما بدا في المشهد من سكون وعدم تعرضهم لأي سوء أثناء حركتهم، مما يثبت كذب ادعاءاتهم. فيما أثارت وكالة “رويترز” غضب رواد مواقع التواصل عقب إعلان مقتل مصورها عصام عبد الله دون ذكر أنه تم استهدافه بضربات إسرائيلية.

الصحفي في رويترز عصام عبد الله الذي قتلته غارة إسرائيلية في جنوب لبنان

 

وقال مصدر لدى وكالة “رويترز” فضّل ذكر حرفين من اسمه (م.ع): ” في رويترز يوجد ثلاثة مكاتب للتغطية المباشرة، في رام الله وغزة والقدس، ما ألمسه من زملائي في رام الله وغزة وهم المعنيون بالرواية الفلسطينية التزامهم بنقل كل ما يدور والكشف عن أرقام القتلى من الجانب الفلسطيني”.

وقال إنه “لا يعرف على وجه حدود التغطية والحيادية في نقل الرواية الإسرائيلية من المصادر العبرية في القدس”.

أين الضحايا من الحساب؟

يغيب إنصاف الضحايا عندما تغيب المهنية والمصداقية في نقل الأخبار، حول ذلك أوضحت الصحفية الاستقصائية ومديرة الشبكة العربية لمدققي المعلومات سجى مرتضى قائلةً: “سقطت أخلاقيات بعض المؤسسات الإعلامية خلال العدوان على غزة، وهذا سيترك أثراً كبيراً على المجتمع الإعلامي لوقتٍ طويل جداً”.

وتابعت: “للأسف عدد من وسائل الإعلام الغربية نشرت الكثير من المعلومات المضللة حول فلسطين، داعمةً الموقف الإسرائيلي، من دون أي تأكد أو تدقيق، مما شحن الرأي العام العالمي”.

وأردفت حول ثقة الناس بالمؤسسات الإعلامية: “مؤخراً، أصبحت الناس تثق بالمؤثرين في غزة الذين ينقلون الوقائع بشكل مباشر عبر “السوشيال ميديا” أكثر من المؤسسات الإعلامية الكبيرة”.

تعيد هذه الأحداث إلى الأذهان كيف انحاز الإعلام الغربي في الحرب الأوكرانية، وكيف انتصروا لحق الشعب الأوكراني في الدفاع عن نفسه مواجهة “العدوان الروسي”، وكيف سلطوا الضوء على الجرائم والانتهاكات الحقوقية التي وقعت في أوكرانيا، متناسين الموقف الروسي من الحرب ودوافعها.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM