نعمة أم نقمة؟

2 نوفمبر 2017
نعمة أم نقمة؟
أعينهم مراقبة، أعصابهم مشدودة، هذا يرقص، وذاك يقفز، وهذا يشجع بصوته الجهوري، وذلك يتساءل: زملكاوي أم أهلاوي؟ وحداتي أم فيصلي؟ اتحادي أم هلالي؟ مدريدي أم برشلوني؟
هل هذه أسئلة العصر؟ وهل يعقل أن تأخذنا مباريات كرة القدم إلى ما وصلنا اليه اليوم؟
وصلنا إلى ما يسمى بالإدمان.
فيوم المباريات الحاسمة، وبلا مبالغات، لا تستقبلنا المقاهي لأنها محجوزة بالكامل. نعود إلى منازلنا، ولا نرى في البرامج المسائية سوى أهل الإعلام وهم يعلقون على المباراة المبثة في الوقت ذاته. وحين نمل من التلفاز، ونقرر الانتقال إلى العالم الإفتراضي، نغرق من كثرة التغريدات المتعلقة بالمباراة عبر موقع التواصل الإجتماعي “تويتر”. هذا يتحدث عن الهدف الأول، وذلك يلوم الحكم على خسارة فريقه، وتلك المغردة منشغلة في الحديث عن حبها للاعب الأرجنتيني “ميسي”.
ولكن ما لا يعرفونه أو يجهلونه هو أن الكرة مجرد “سياسة”.
سياسة تشغلنا عن السياسة. كيف؟
ننسى أفعال حكومتنا، ننسى قضايانا، وننشغل بـ 22 لاعاباً يركضون وراء “كرة”.
ففي عام 1969، مباراة “هندوراس” و “السلفادور“ الفاصلة في تصفيات كأس العالم كانت سبباً لقيام حرب بين الدولتين. وعام 2010 مباراة مصر و الجزائر المؤهلة لكأس العالم أيضاً تسببت في توتر العلاقات.
تمتد الأيدي، تتعارك الألسن، تكثر الشتائم وراء وأمام الشاشات، ولا يبقى للسلام مكاناً.
فبعيونهم هو مجرد استاد للعب. ولكنه حلبة مصارعة بنظري.
هناك من لا يوافقني بالطبع. فيظن البعض أن “كرة القدم” تقتل الروتين اليومي، وتزيد من سعادتهم، وهناك من يقول إن كرة القدم توحد مجتمعات رغم محاولات كل من يحاول تفريقها.
كوني طالبة إعلام، يمكنني التأكيد بأن الإعلام هو أقوى سلاح اليوم. ولذلك، ألوم وسائل الإعلام الغير حيادية التي زادت في السنوات الأخيرة. فكل منها تغطي المباراة بطريقتها. وكل إعلامي “يحلل” المباراة بطريقته. وبذلك، يخلق كل منهم العنصرية، بدلاً من تعليم المشاهد “كيف يصفق للفريق الفائز”. فتُخلق على أثر ذلك الكراهية ويزداد التعصب وتختفي الروح الرياضية من الوجود تماماً.
أشار تقرير للوكالة الوطنية للاستخبارات الجنائية (NCIS) في انجلترا إلى “ارتفاع مستوى التعصب والعنف المرتبط بجماهير كرة القدم”، كما أن قام البعض بتشكيل مجموعات أشبه بالعصابات المنظمة، والتي تهدف لإثارة العنف والتخريب في المناسبات الرياضية.
كما كشف تقريرآخر أن المتعصبين يتحركون وفقا لما يسمى “العقل الجمعي” أي أنهم يفكرون بعقل الجماعة، أي بمستوى منخفض من الذكاء، مما يؤدي إلى تخبط في اتخاذ القرارات بعيداً كل البعد عن التفكير العقلاني المنطقي، ولذلك، “تتلاشى الفوارق العلمية والثقافية والمادية والطبقية بين جماعة المتعصبين، وينتشر بينهم ما يعرف بالعدوى السلوكية”.
لنكن أقل تطرفاً ولنكن ذو أرواح رياضية. لنستذكر هدف تلك الرياضة الأساسي وننسى ما تعلمناه مع الزمن.