نظرية المؤامرة وجه آخر للسيطرة على العقول

كم من السهل أن نعيش كما يظهر لنا الفيلم الأمريكي الشهير (ذا مايتركس).. في مؤامرة نقنع أنفسنا بأن “القوى العظمى” قد حاكتها للنيل منا و من ديننا. أن نعيش دور الضحية التي لا حول لها و لا قوة لأنها واقعة تحت سيطرة مخطط خبيث.. و كم من المريح للبال و الضمير أن نخلي أنفسنا من المسؤولية و نعيش دور المظلومين عديمي الحيلة. من منا لم يسمع بنظرية المؤامرة و الماسونيين الأحرار و ارتباطهم بالحركة الصهيونية و باليهود و الأمريكان فنحن مستهدفون و ديننا و عقائدنا مستهدفة و ما باليد حيلة!!
أليس من السذاجة و التخاذل أن نعيش بهذا المنطق اللامنطقي الداعي على التكاسل و الخنوع؟ إن نظرية المؤامرة و إن كانت لا تخلو من الصحة في كثير من أجزائها فإن التذرع بها في كل صغيرة و كبيرة هو أكبر دليل على تحقيقها لأهدافها و سيطرتها علينا.
بهذا الخصوص يقول الدكتور تمام اليرازي- مؤلف كتاب ( الماسونية, الوهم الكبير) في برنامج سري للغاية – قناة الجزيرة: ” لا يوجد لدي أي شك أن هناك مؤامرات, لكن الماسونية ليس لديها الآن في الوطن العربي القدرة على التآمر. نحن نتآمر ضد نفسنا و نضع الماسونية و الصهيونية ككبش فداء لتغطية عجزنا و قمعنا لشعبنا و هو شيء مرفوض بتاتا”.
نعم.. قد نكون نحن مستهدفين, واقعين تحت سيطرة قوة خارجية. إلا أن صحة هذا الزعم أو عدمها ليست بأهمية موقفنا تجاهه, أي ما هو التصرف الذي نبع من معرفتنا بهذا الأمر أو باحتماليته؟ هل نتخذ منها مبررا لضعفنا و هواننا و انصياعنا لمجريات الحال و نستغرق و نضيع في البحث فيها و نجرّ أنفسنا نحو حالة من اليأس و الخضوع, كما فعل و يفعل الكثير من المفكرين و الناس؟ أن نترقب قدوم مهدي منتظر يقضي بقبضته السحرية على أعدائنا و ينتصر لنا و عنا! و إن كان هذا المهدي المنتظر سيأتي, كما تؤمن العديد من الديانات, في آخر الزمان, فماذا نفعل حتى يجيء؟ ننتظره جيلا بعد جيل دون أن نحرك ساكنا؟!! فالماسونية بأهدافها و رموزها و مخططاتها و رؤوسها و أعوانها أيا كانت هي و أيا كانوا هم, لا يمكن أن تتحمل مسؤولية ما نصنعه نحن بأيدينا. فهل سنحملها مسؤولية الفساد في مجتمعاتنا ؟ هل منعتنا أن نقف بوجه مخططاتها و أن نحاربها؟
لا لسنا مساكين و لا مستضعفين فرب الكون خلقنا جميعا: نساءً و رجالاً, مسلمين و مسيحيين و يهود و اشتراكيين و بعثيين و ماسونيين و غيرها. خلقنا و أعطى كلا منا عقلا نفكر به, و منطقا نحكم به على الأشياء و طلب منا أن نسعى لنحيا حياة كريمة و آمنة. ليس الماسوني خارقا للطبيعة, أو وحشا نخيف به الصغار فيمتثلون لأوامرنا. لا, لست هنا بصدد الاستخفاف بخطر هذا المجتمع السري . بل إني أريد أن نرفع من أنفسنا وأن نغير نظرتنا لذواتنا. أن يرى كل منا في نفسه مهدي منتظر ليس محملا بعبأ تخليص البشرية بأكملها.
أني لست من أعداء هذه النظرية على الإطلاق. فقد قرأت عنها الكثير و تابعت سلسلة القادمون باهتمام بالغ. و لا أنكر أني عشت حالة من الذهول و الاكتئاب. إلا أني سرعان ما استفقت و أدركت أن خلاص كل منا بيده. فكرامة العرب هي في أن تعيش العروبة في دم كل عربي. أن يربي عليها ابناؤه. على أن الله حق و أن الليل و إن طال, لابد له أن ينجلي. إلا أنه لن ينجلي بين ليلة و ضحاها. فكل منا من موقعه له دور و لم يخلق عبثا.
و ها هي البدايات بدأت بالتجلي.. ثورة في تونس و أخرى في مصر و أخرى في ليبيا تكللت جميعا بالنصر و ها نحن قد أدركنا أخيرا أن القرار بأيدينا. بأيدي أبناء الشعب البسطاء الذين تحرروا من القيود الوهمية و الأصفاد التي كبلتهم طوال السنوات الماضية.. و قرروا أن يحاربوا بجدية دفاعا عن هذا الحق المشروع في الحياة بكرامة. و كان بأيديهم التغيير و صنع القرار.
لقد آن الأوان أن نفتح عقولنا ,,, أن نقرأ عن نظرية المؤامرة و غيرها دون أن نسمح لها بأن تغزو عقولنا و قلوبنا و تعشعش فيها فتشلنا عن الحركة. قد يكون هذا المخطط بالفعل أكبر منا و من طاقاتنا و قد نعجز مهما حاولنا أن نغير مساره. إلا أننا و بلا شك نستحق شرف المحاولة و العيش بكرامة و عزم. .
Please follow and like us: