ندوة “الكتب وصناعة السينما”: نجوم عربيّة في سماء “الشارقة”

وسط تزاحم الناس لرؤية أبرز نجومهم العربيّة على باب قاعة الفكر في معرض الشارقة الدولي للكتاب مساء الثلاثاء، أطلّ كلّ من الممثل السوري عابد فهد، والروائي والسيناريست المصري أحمد مراد، والمنتج اللبناني صادق الصبّاح والممثلة المصرية ليلى علوي على جمهورهم ليخبروهم عن خبرتهم في إنتاج أعمال أدبيّة رفيعة وتقديمها على الشاشة، في ندوة بإدارة الإعلامية السورية زينة يازجي.

السينما وخيوط الواقع

يرى مراد أنّ الأدب يساعد الناس على هضم الأحداث وفهمها بعمق، حيث شبّه الأخبار اليوم بالوجبات السريعة لكثرة الأخبار الكاذبة وعديمة الفائدة، ففي رأيه بأنّ “هناك بلبلة شديدة اليوم، فلو كان الأدب أسرع من اللازم، بأن لا يستطيع هضم هذه الوجبة (الأخبار والأحداث الواقعية) ويقدّمها بشكل مناسب، أعتقد بأنّ هذا سيسبب انشقاقاً”. وفي اعتقاد مراد أنّه “يمكن للأدب أن يضع صورة ذهنية بعد الثورة فيثبّت شكل معيّن للحدث”.

وتأييداً لما ذكره مراد، يرى فهد أنّ شخصية الزير سالم التي قام بأدائها تحت إخراج المخرج ممدوح عدوان هي تمثيل لما ذكره مُراد عن بلورة الدراما لصورة ذهنية مختلفة عن شخصيات أعمال أدبيّة رمزية، فيوضّح أنّ المخرج ممدوح عدوان رأى أنّه يجب أن لا نختبئ وراء الحقيقية، وأن تعكس شخصية الزير سالم صورة الواقع الآن بقراءة مختلفة عن ما كانت عليه في الواقع التي كتبت فيه “الزير هو رمز وهذا الرمز أصبح مكسوراً، يجب أن نعترف أنّنا العرب الآن ظهر مكسور، هذه حقيقة وهو لم يختبئ وراءها”.

السينما نافذة الرواية العربية إلى العالميّة

وعن ما إذا كانت وصول الرواية العربيّة إلى العالميّة يعتمد على السينما، فيؤيّد الصبّاح هذا، وفي رأيه أنّ الروايات العربيّة ستصل للعالميّة قريباً من خلال السينما كوصول “الفيل الأزرق” وأفلام مصريّة ولبنانية أخرى للعالميّة أيضاً، ولكن نحتاج لوصول أكثر في رأيه. ويرى الصبّاح أنّ قلّة الأفلام العربيّة التي المقتبسة عن أعمال أدبيّة يعود إلى أنّه “ليس هنالك غزارة بالأعمال الروائية الناجحة التي من الممكن أن توصلنا لما نريده، وهناك ضعف أيضاً في الدراما”، وهذا ما دفع اليازجي للسؤال عن كيفية تحديد الكتاب الذي يمكن أن يصلح لأن يكون عملاً سينمائياً أو درامياً من الذي لا يصلح، حيث أجاب الصبّاح أنّ المنتجين يفكّرون بما يمكن أن يجذب أكبر عدد من الجمهور كشيء أساسي.

في سياقٍ آخر عن أهمية قيام مجلس أعلى للإنتاج الدرامي والسينمائي في الوطن العربي، يجيب الصبّاح بأنّه “نحن العرب لا نعرف كيف نصبح تكتّلات، ننجح كأفراد فقط” فهو ليس متفائلاً جداً بقيام مجلس كهذا.

هل تأكل السوشيال ميديا الأدب والسينما؟

وعن مدى مزاحمة السوشيال ميديا للأدب والسينما والتلفاز وتعبيرها عن الواقع أكثر، ترى علوي أنّ السوشيال ميديا تنافس هذه المنابر بنسبة 80%، في حين يعترض الصبّاح على مقارنة السوشيال ميديا بالسينما والتلفزيون ويعتبرها مقارنة غير متكافئة لعدّة أسباب. منها أنّ الدراما تتأنّى وتدرس الرسالة قبل أن ترسلها للمجتمع، بينما الأخبار السريعة في السوشيال ميديا محكومة بالتناقضات والتصاريح الانفعالية، ويرى الصبّاح أنّه “من المهم أن نحافظ على الأعمال الفنّية بداية من الأدب للسينما والتلفزيون، فهذا شيء مهم لأنّني أعتقد أنّه يمكنك أن تعطي رسائل مفيدة جداً ومعبرة من خلالها”.

ويعتقد مراد أنّ السوشيال ميديا غيّرت الشعوب ومدى انفعالها للواقع “نحن تغيّرنا لم نعد نفس الشعب، وهذا كان تأثير السوشيال ميديا”، فاليوم عندما نرى خبر مذبحة على السوشيال ميديا، نرى الخبر ومن ثمّ نضغط على زرّ الإعجاب “like”، فالسوشيال ميديا بدأت تدفع الدراما إلى منطقة مختلفة، بينما النضج السينمائي ما زال قائماً في الخارج حتّى مع وجود السوشيال ميديا. وبحسب مراد انّ سبب الشعور ببعد السينما عن الواقع هو أنّ الناس بدأت ترى الوقائع في لحظتها “فلم نعد نحتاج الواقع لأنّنا نراه بالفعل، ولكن نحتاج أن ننفصل للخارج ونعود لواقع تاني خيالي”.

لمَ يغيب الخيال العلمي عن أدبنا وشاشاتنا؟

يعتقد مراد أنّ غياب الخيال العلمي عن الأفلام والروايات يعود لاهتمامات المجتمع وما يتحدّث عنه، فالمجتمع الأمريكي يختلف عن المجتمع العربي. فعند إنتاج أي عمل تلفزيوني أو سينمائي ينظر الكاتب لما يتحدّث عنه المجتمع. فالمجتمع الأمريكي لديه طموحات علمية ويتخيّل الوصول للفضاء، فالمحتوى والمادة مجودة هناك فهناك تقنيات متطورة أيضاً ومادة جاهزة. بينما من الصعب تصديق هذه التخيلات في المجتمع العربي. “ليس هنالك خيال علمي، لأنّه ليس هنالك علمي”. فما زالت العلوم في الوطن العربي تتحدث عن حلول لمشاكل مثل إنشاء مفعّل نووي لتوليد الكهرباء، ولكن لم نصل بعد لرفاهية امتلاك طموح للبحث عن كواكب أخرى. وأيضاً الإنتاج والتقنيّات مثل الغرافيكس تلعب دوراً كبيرة.

الكاتب وشخصياته

وعن ما إذا كان تدخّل الروائي بشخصياته سبباً لإيقاف إنتاج مشروع الأسود يليق بك المقتبس عن رواية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي وبطولة عابد فهد، فينفي فهد علاقة هذا الموضوع بتأجيل المشروع “كان لدينا رغبة شديدة بإنتاج هذه الرواية كعمل تلفزيوني، ولكن الموضوع تأجل المشروع لأسباب لها علاقة بالزمن وظروف عديدة حالت بيننا وبين أن نصنع هذه الرواية”. ويضيف فهد أنّ الكاتب، وحتّى السيناريست (الكاتب التلفزيوني)، يحرص على شخصياته بشدة، ولكن رغم حدوث بعض الصراعات أحياناً بين الممثل والكاتب يتمّ الوصول لهدف ونتيجة في النهاية بورشة عمل.

وفي السياق ذاته، يعتقد مراد أنّ تدخّل الكاتب بشخصياته يتعلّق بقدسيّة العمل وحرفيّته، رغم أنّه من الممكن أن يكون أمراً متطرفاً. ولكن في نظر مراد أنّ الكاتب المتمكّن يستطيع إجابة المخرج عن أي استفسار عن شخصيّاته، ويريح الممثلّين الذين يتعامل معهم بسبب هذا التمكّن فهو يعلم تماماً ما يريده لشخصياته والذي من الممكن أن يخدمها أو يهدمها.

الرقابة، هل تحول بين الكاتب والسينمائي ورسالته؟

وعن الرقابة ومدى صرامتها في الوطن العربي، يعتقد الصبّاح بأنّها تختلف من بلد لبلد، فهناك بلدان يرتفع لديها سقف الحريّات كتونس. في حين يرى مراد أنّ الأديب الشاطر يجب أن يكون كالكاتب نجيب محفوظ، ففي رأيه أنّه “نستطيع بشدّة أن نقول ما نريد قوله ولكن بدون صدام”، فنجيب محفوظ لم يتعرّض لأحد كصدام. فالإنسان المبدع الذكي، في رأي مراد، لا ينتظر الرقابة لتحدد له حريّاته، فهو يستطيع أن يقول ما يريد قوله ويوصل رسالة راضٍ عنها متجنباً الصدام.

وما أغنى الندوة وأعطاها بعداً عميقاً هو تنوّع أرضيات ومهن نجومها لإعطاء صورة كاملة عن موضوعها، فعلى الصعيد الفنّي الأدائي، الفنان السوري عابد فهم كان نجماً للعديد من الأعمال التلفزيونيّة المأخوذة عن روايات؛ أبرزها وأحدثها هو مسلسل “طريق” المأخوذ عن القصّة القصيرة “الشريدة” للكاتب المصري نجيب محفوظ والذي تمّ بثّه في 2018. والفنّانة المصرية ليلى علوي كان لها مشاركة كبيرة في تأدية العديد من الأعمال الأدبيّة، أبرزها خرج ولم يعد في 1984. وعلى الصعيد الأدبي، فيعد الكاتب والسيناريست المصريّ أحمد مراد رائد الروايات الأدبية الحديثة التي تحوّلت إلى أفلام وصلت إلى العالميّة كروايته الشهيرة “الفيل الأزرق” التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي حقّق نجاحاً باهراً في 2014. بينما على الصعيد الإنتاجي، فوجد المنتج اللبناني صادق الصبّاح في النصّ الأدبيّ فرصة ليلمع على الشاشة، خاصة بإنتاجه مسلسل “طريق”.

وجاءت هذه الندوة في إطار فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثامنة والثلاثين، والتي تستمر حتى 9 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM