مكتبة الجامعة … هل تعكس حقيقة علاقة الطلاب بالمطالعة؟ مـــــــــاذا تـــــــــــــقــول المـعـطيــــــــــات والأرقـــــــــــــام عن عــلاقــــــــة نـخبــــــــــــــــــة الــغـد بالكــــتـــــــــــــــــــاب؟

يقال عنه أنه معلم صامت، وغذاء للروح والعقل، وخير جليس في الأنام. الكتاب بالأمس لطالما كان المتنفس الوحيد، والأنيس الأول، وقبلة المتعطشين للمعرفة، ومؤشرا للنضج والحكمة. فهل لا يزال كذلك اليوم؟ وما هي مكانته ضمن اهتمامات طلاب أمريكية دبي؟ في تجربة بسيطة لاكتشاف ذلك اخترت مكتبة الجامعة كأول مقصد لي، وبعد جولة قصيرة داخل أروقتها جاء الانطباع الأول سريعا وملفتا، وذلك عندما لمحت طالبة جالسة في إحدى الزوايا وبيدها كتاب معروف عن الحضارات القديمة وقد بدى عليها التركيز، مما جعلني أظن للوهلة الأولى بأنها جد مهتمة بهذه القيمة الفكرية فاقتربت منها في تردد مخافة الازعاج لاكتشف بأنها لم تكن سوى تتفقد هاتفها الذكي الموضوع بين الصفحات. هذا المشهد قد يجعلنا نقف متسائلين: هل عجز الكتاب على الصمود في زمن الفضاء الرقمي أم أن الشباب هو من أعرض عنه باختياره؟ وإن كان الأمر خلاف ذلك، هل من الممكن أن يكون المقرر الدراسي هو من يقف بين الطالب والكتاب؟

للإقبال على المكتبة غايات ومواسم

مكتبة الجامعة مساحة هادئة نوعا ما تزخر بما يزيد عن 120.000 كتاب، و348 جريدة ومجلة، بالإضافة إلى 1000 جهاز إلكتروني أو سمعي بصري، و268 مقعد دراسي. الكتب موزعة على عدة أقسام منها ما هو مخصص للروايات والموسوعات الكبرى والمجلات والجرائد وكذلك المجلدات ذات الأحجام الكبيرة. أثناء تجولي بين مختلف هذه الأقسام صادفت عددا متواضعا من الطلبة حيث كان معظمهم قابعا داخل غرف أجهزة الحاسوب والطباعة. هرولة الأقدام وعلامات الانشغال والتسابق مع الوقت التي تميز الجو العام، تجعل الزائر يستشعر لوهلة بأنه متواجد داخل معمل أو مكتب حكومي يقصده الناس لقضاء معاملاتهم على عجل.

في مقابلة مع أمينة المكتبة السيدة هوماي فريدي قالت: “من خلال ملاحظاتي وصلت إلى قناعة بأن معظم الطلبة يأتون للمكتبة قصد استعمال مختلف الأجهزة المتوفرة بها. حتى نوعية الكتب المستعارة عادة ما تكون متعلقة بالبحوث والمشاريع التي يطلبها الأساتذة، طبعا لا يمكنني انكار وجود بعض الحالات الاستثنائية لكن، الملفت أن هذا ينعكس على معدلات التوافد على المكتبة، فنسب الاقبال التي تسجل في بداية الفصل الدراسي على سبيل المثال تعتبر جد منخفضة مقارنة بتلك التي تكون خلال فترات الامتحانات.” ثم أردفت: ” أتيت من بلد لا يمكن فيه ازعاج أحد يحمل في يده كتابا، فالمطالعة أمر مقدس. أعتقد بأن البعض هنا لا يفهمون ثقافة المكتبة… وهناك عدد معتبر من الطلبة الذين لا يعلمون كيف تكون عملية البحث عن الكتب مفضلين على ذلك استخدام محرك البحث غوغل”.
إن كانت ثقافة المكتبة مفقودة فعلا فلعل ايجادها هو مسألة بناء وعي تدريجي، لكن بعض المعطيات قد تلمِّح بوجود خلل في الرغبة والاهتمام. وفقا لنتائج المسح الذي يجريه مركز الفعالية المؤسسية نهاية كل فصل دراسي، فإن 12 %من الطلبة يزورون المكتبة كل يوم، و27 % يزورونها مرتين أو ثلاث في الأسبوع، و26% لا يأتون إليها إلا مرة أو اثنتين كل شهر. أما بالنسبة إلى الأسباب الكامنة وراء هذه الزيارات فقد جاءت المذاكرة واستعمال آلات الطباعة والنسخ على رأس القائمة بنسبة 68 %يليها استعمال أجهزة الحاسوب بنسبة 64% ثم استعارة الكتب بنسبة 40%وأخيرا الاجتماع بالأصدقاء بنسبة 27 %. بغض النظر إن كانت هذه الأرقام تترجم بدقة مكانة الكتاب في حياة طلاب الجامعة فإن تحليلها قد يوحي باستنتاجات أولية على الأقل.

Amira - Library 2

المطالعة في مواجهة المقرر الدراسي

في أولى محاولات استطلاع آراء بعض الطلبة حول المكتبة وموضوع المطالعة بشكل عام أبدى لؤي. م وهو طالب في كلية إدارة الأعمال، حبه للمطالعة وادراكه لأهميتها على الرغم من أنها لا تشغل حيزا كبيرا ضمن أوقات فراغه، وعن السبب قال: ” مكتبة الجامعة مقبولة لكنها لا توحي بوجود ما يثير الاهتمام أو الرغبة في تصفح الكتب. في أوقات فراغي أفضل الرسم والتنقل بين مختلف مواقع الأنترنت وفي الغالب ما تكون المطالعة آخر ما ألجئ إليه خاصة وأن الواجبات الدراسية اليومية قد تصعب مهمة الاستمرار في هذه العادة ” وفي نفس السياق أكدت عبير. خ -طالبة في كلية الإعلام-بأن زياراتها القليلة للمكتبة تكون بغرض الطباعة وانجاز بعض الفروض وتابعت قائلة: “الهواية تخضع أولا لرغبة واهتمام الشخص والكتاب لم يعد المصدر أو الخيار الوحيد. كطالبة عليّ أن أبدأ أولا بقراءة الكتب الجامعية”.

الملفت للإنتباه هو أن خلال معظم الحوارات اللاحقة ظلت كلمة “المقرر” و “شبكة الأنترنت” تتكرر في كل مرة. هذه الملاحظة قد تضعنا أمام نافذتين تطل كل منهما على زاوية مختلفة من الموضوع، حيث يقترح البعد الأول بأن انشغال الطالب بمضمون المقرر وحرصه الشديد على احراز درجات عالية جاء على حساب اثراء رصيده الثقافي العام مما قضى على اهتمامه بالكتاب و جعله لا يتردد في تبني أي مصدر آخر للمعلومات أو الترفيه وهذا بالتحديد ما نوه به ع .ل -طالب في كلية الإعلام- مؤكدا: ” بعد تجربتي ضمن فريق تحرير MBRSC POST لاحظت أن لا أحد من الطلاب يرغب في أن يقتص من الوقت و الجهد المخصص لدراسة المقرر ففي النهاية النجاح متوقف على دراسته وليس على الثقافة العامة للطالب “. أما البعد الثاني فيوحي بأن انشغال الطالب بكثرة الفروض المطلوبة وصعوبة المقررات وكتبها ولدت لديه نفورا واحساسا بالمشقة تجاه ما سواها وهذا ما فتح الباب أمام بدائل أخرى تغري بالسهولة والمتعة مثل التلفزة والأنترنت، وهذا ما أكدته سارة. م قائلة: ” عندما أجد نفسي أقضي ساعات طويلة في دراسة المنهج من الكتاب الجامعي يصبح همي الوحيد الانتهاء منه لكي أحظى ببضع دقائق من الراحة أمام شاشة التلفاز أو الحاسوب”

اعتبارات أخرى

لمزيد من التوضيح قررت الاستعانة برأي الأخصائية النفسية وأستاذة علم الاجتماع بالجامعة السيدة جون عبد الله التي يعرف عنها بأنها دائمة الحرص على حث طلابها على المطالعة، مع اعطائهم فرصة استعراض ما قرؤوه في بداية كل حصة دراسية، وعن سبب هذا الحرص قالت : “رأيت بأن هناك دافع من الحاجة لتذكيرهم و تشجيعهم ولا أظن بأنهم كانوا ليفعلوا هذا من تلقاء أنفسهم … فعادة ما يقول الطالب في نفسه : إذا كان هذا الأمر لا يؤثر على درجاتي فلا حاجة لي بالاطلاع عليه”. أما عن أسباب هذا الإعراض المزمن عن القراءة أجابت : ” الرد على هذا السؤال صعب نوعا ما، لكنني دائما ما أقول بأن الأمور لا تُحسم بالقطع الصارم فدائما ما تكون هناك مساحة لأكثر من حقيقة أو إمكانية ” ثم استطردت : ” ثمة عدة عوامل متداخلة منها ما يتعلق بسلوك وشخصية الطالب ومحيطه ومنها ما يرجع إلى قوة وتأثير الخيارات المطروحة أمامه بالإضافة إلى مدى وفرتها.
عند تحليل كل ما سبق بروية هل سيكون من المنصف الجزم بأن فراغ قاعة المكتبة هو انعكاس لفراغ ثقافي في حياة الطالب أم أن حسم المسألة يحتاج إلى دراسة أكثر؟ لكن بغض النظر عن الأسباب، أليس مجرد تحول القراءة من ضرورة إلى رفاهية وتحول المطالعة إلى خيار منسي في أسفل قائمة أولويات الطالب المتزاحمة سببا كافيا للقلق وداعيا قويا للتنويه والتحرك قصد الاستعداد لمواجهة بوادر تنذر باستفحال عزوف كامل عن المطالعة؟

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM