مغامرة السفر في زمن كورونا

"الوافدون اللبنانيون في مطار دبي في 11 نيسان 2020. كالين الحاج"

بعد انتظارٍ مطوّل وتواصل مستمرّ مع القنصليّة اللبنانيّة في الإمارات لتأمين عودتنا إلى بلدنا لبنان بسلامٍ في ظلّ انتشار فيروس كورونا المستجد، جاء اليوم الذي تمّت فيه الموافقة على مغادرتنا دبي والانتقال للعيش إلى جانب عائلاتنا في ظلّ الأوضاع الراهنة في العالم.

11-04-2020 هو يوم التعب الجسدي والقلق النفسي، الذي بدأ الساعة الثالثة بعد الظهر في مطار دبي، وانتهى عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل في فندق في منطقة الروشة في بيروت.

في حين كان الجميع ملتزماً في منزله، توجّهنا إلى مطار دبي قبل ثلاث ساعات من موعد المغادرة لإنهاء بعض الإجراءات والأوراق المتوجب علينا ملؤها. لم يكن مطار دبي هذا اليوم كالمطار الذي اعتدنا على رؤيته في الأيام الطبيعيّة؛ حيث كان الصدى هو الصوت الوحيد الذي تسمعه فور دخولك، إلى جانب همسات بعض المسافرين اللبنانيين الذين ينتظرون دورهم لإنهاء إجراءاتهم.

فور إنهاء الإجراءات اللازمة، توجّهنا إلى قاعات الإنتظار المليئة بالمقاعد الفارغة. أمّا البوابة المتوجّب علينا الإنتظار فيها للتوجّه إلى الطائرة، كان كل من فيها يرتدي الكمامات والقفازات وملتزم بالمسافة المطلوبة بين الأشخاص للوقاية من الفيروس؛ حيث كان بين كل شخص وآخر مقعد فارغ.

“قاعات الانتظار في مطار دبي في 11 نيسان 2020. كالين الحاج”

عند الساعة الخامسة والنصف، بدأت عملية نقل المسافرين من قاعة الإنتظار إلى الطائرة، وأيضاً لم تكن طريقة دخولنا الطائرة كالطريقة المعتادة؛ حيث تمّ نقل كل عشرة مسافرين في باص واحد. عند الوصول إلى نقطة الانتقال، يستقبلك، بالرّداء الأبيض الطبيّ، طاقم طبيّ من وزارة الصحة اللبنانية ورجال من الأمن العام اللبناني ومضيفات الطيران على مدرج الطائرة، وإلى جانبهم القنصل اللبناني في دبي.

ولتنظيم هذه العمليّة، تمّ السماح للأشخاص بالخروج واحداً تلو الآخر من الباص إلى الطائرة، للمرور بخمس محطات قبل الوصول إلى مقعد الطائرة. المحطّة الأولى كانت عند رجال الأمن العام الذين يكشفون على جواز السفر، ثم إلى طبيب من الطاقم الطبي لفحص الحرارة، ثمّ إلى طبيب آخر لتغيير الكمامات والقفازات، ثمّ إلى مضيفات الطيران للتحقق من بطاقة الصعود إلى الطائرة، وأخيراً إلى طبيب ثالث ليضع سواراً أخضر في يد المسافرين الذين لا يعانون من أمراضٍ مزمنة، وسواراً أصفر للذين يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري، وإلخ.

“محطات الانتقال من الباص إلى الطائرة في 11 نيسان 2020. كالين الحاج”

أثناء الرحلة، تمّ فحص حرارة الركّاب كل 30 دقيقة من قبل طبيب من الطاقم الطبي. كما قام طبيبان آخران بجمع أوراق بطاقة التعريف من وزارة الصحة التي تمّ تعبئتها من قبل الركّاب، ومضمون هذه الأوراق هو معلومات خاصّة لكلّ راكب عن مكان سكنه وحجره وعن صحّته بشكل عام. أمّا رجال الأمن العام، فكانت وظيفتهم جمع أوراق التعهّد الموقّع من الرّكاب، ومضمون هذه الورقة هو تعهّد التزام المسافرين الحجر المنزلي المنفرد أربعة عشر يوماً بعد وصولهم إلى منازلهم.

“بطاقة التعريف وورقة التعهّد في 11 نيسان 2020. كالين الحاج”

عند وصولنا إلى لبنان، توجّهنا نحو قاعة انتظار في مطار بيروت، القاعة التي وجدنا فيها عشرات الأطبّاء ورجال من القوى الأمن الداخلي لتأمين الحماية الكاملة لكل الوافدين. وفي هذه النقطة أيضاً، مررنا بخمس محطّات قبل خروجنا من المطار للتوجّه نحو الفندق. المحطّة الأولى كانت إعطاء معلومات من جواز السفر للأطباء عن بُعد، ثمّ إلى طبيبان آخران يقومون بتعقيم أمتعة الوافدين وملابسهم بأجهزة تعقيم معيّنة، ثمّ إلى غرفةٍ يقوم فيها طاقم طبّي مؤلّف من خمسة عشر طبيب إختبار الPCR للوافدين، ثمّ إلى رجال الأمن العام لختم الدخول على جواز السفر، وأخيراً إلى استلام الحقائب وتسجيل أسمائنا عند رجال من القوى الأمن الداخلي والخروج إلى الباصات.

“قاعة الانتظار في مطار بيروت في 11 نيسان 2020. كالين الحاج”

فور خروجنا من المطار، استقبلنا عشرات رجال من القوى الأمن الداخلي وعناصر من الجيش اللبناني الذين رافقونا من المطار إلى الفندق الذي أمّنته لنا شركة الطيران للبقاء فيه حتّى إصدار نتائج فحوصات الوافدين من دبي، والتأكّد من سلامة الجميع قبل التوجّه إلى الحجر المنزلي.

“عناصر من الجيش اللبناني والقوى الأمن الداخلي في مطار بيروت في 11 نيسان 2020. كالين الحاج”

وبعد رحلتنا الطويلة، قالت يارا ياسين، إحدى المسافرين، في مقابلة على الواتسآب إنّ الرحلة كانت “تجربة جديدة وجميلة” بالنسبة لها، رغم أنّها “كانت خطيرة لأن هناك احتمالاً كبيراً للإصابة بفيروس كورونا في المطارات والطائرة”، ولكن الإجراءات المتّخذة كانت “مكثّفة بما فيه الكفاية للوقاية والحفاظ على سلامة الوافدين”. أمّا بالنسبة للطاقم الطبي، فقالت ياسين إنّه “تعمّد الحفاظ على ابتسامته طول الوقت، بهدف إشعار الوافدين بالراحة النفسيّة في هذه الرحلة الطويلة والممتعة”.

كما وافقت لوشيانا بو سمرا على ما قالته ياسين، مضيفة أنّ الرحلة “لم تكن خطرة كما توقّعة وذلك بسبب الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة والداخلية بالتعاون مع شركة الطيران”. أمّا بالنسبة لإليسا صوايا، رغم أنّها أكّدت على وجود الإجراءات اللازمة، لكنّ الرحلة بالنسبة لها “لم تكن ممتعة، بل صعبة وطويلة، خصوصاً في فترات الانتظار في المطارين الإماراتي واللبناني”.

ورغم أنّ السفر في ظلّ تفشّي فيروس كورونا المستجد خطر ويفضّل البقاء في مكانٍ واحد، لكن رحلة مؤمّنة بالإجراءات والحماية كهذه تستحق المخاطرة، خصوصاً إذا كانت نهاية الرحلة وجودك بجانب عائلتك.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM