معرض الشارقة: فضاء للتفاعل الفكري وتجديد الحوار الثقافي

في قلب الشارقة، ينبض شغف القراءة والفكر في أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب بنسخته الثالثة والأربعين. وتحت شعار “هكذا نبدأ” انطلق المعرض برعاية حاكم الشارقة سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي. هذا المعرض يتوقع أن يجذب هذا العام أكثر من مليون عاشق للكتب من مختلف أنحاء العالم، ليكون منصة للتبادل الفكري والإبداعي، وجسراً يمتد بين الثقافات.
“اليوم تتضاعف الحاجة إلى تأكيد مركزية الكتاب في بناء جسور التواصل الإنساني بين الأمم والشعوب أكثر من أي وقت مضى” هكذا علّقت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب عن انطلاق معرض الكتاب هذا العام بحسب موقع الإلكتروني “الشارقة 24″.
علم النفس الإعلامي
تناولت إحدى ندوات المعرض موضوع علم النفس الإعلامي وتكوين القيم والاتجاهات لدى الشباب. وقد ناقشت أستاذة علم النفس الإعلامي بجامعة عجمان الدكتورة أمل عبد العظيم، الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام في التأثير على مواقف الشباب وتوجهاتهم. وبيّنت أن “علم النفس الإعلامي يُعنى بتطبيق قوانين ومبادئ علم النفس في إعداد الرسالة الإعلامية”، موضحة كيف أن الشباب يميلون للبحث عن مجتمعات تتوافق مع اهتماماتهم، مما يساعد في تشكيل هويتهم ويزيد رغبتهم في التعمق والاندماج. وأكّدت عبد العظيم أن “المجتمعات الافتراضية تؤثر بشكل كبير على الشباب من خلال توفير منصات لاستكشاف ذاتهم”. كما شددت على الحاجة إلى خطط تربوية تهدف إلى “ترسيخ القيم الإيجابية وتشجيع الشباب على التطوع“.
الجن بين الأدب والسينما
وحضر المعرض عدد من الممثلين والكتاب منهم النجم المصري أحمد عز، والروائي كاتب السيناريو أحمد مراد اللذين شاركا في جلسة حوارية تحت عنوان “الجن بين الأدب و السينما”، للحديث عن تجربتهما في فيلم “كيرة والجن”، الذي استند إلى رواية “1919”. تناول مراد في النقاش التحديات الفنية التي واجهها أثناء تحويل الرواية إلى فيلم، خاصةً في اختصار أحداث كتاب مكوّن من 400 صفحة إلى فيلم مدته ساعتان ونصف الساعة. من جهته، عبّر عز عن مدى إعجابه بشخصية “الجن” التي جسّدها، مشيراً إلى ارتباطه العميق بالدور منذ قراءته للرواية، حيث شعر وكأن الشخصية تتفاعل أمامه على أرض الواقع.
المغرب ضيفة المعرض
وتمّ اختيار المملكة المغربية ضيفة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب هذا العام، حيث حظي الزوار بفرصة استكشاف الإرث الأدبي والفني الغني للمغرب عبر مجموعة من الأنشطة التي عكست تميز هذه الثقافة.
المدرسة الفلسفية المغربية والفكر العربي
وخلال جلسة حوارية بعنوان “المدرسة الفلسفية المغربية والفكر العربي”، شارك مجموعة من المفكرين المغاربة في استعراض تحولات الفكر الفلسفي المغربي. حضر الجلسة كل من المفكر والمترجم والأستاذ الجامعي عبد السلام بنعبد العالي، والمفكر المغربي محمد نور الدين أفاية، والباحث في الفكر الفلسفي المعاصر عبد الصمد الكباص.
وأكد المتحدثون أن الفكر الفلسفي المغربي يشهد تطوراً ويتجاوز التقليد، ليكون أداة نقدية تعزز من الوعي والإبداع. وأوضحوا أن هذا الفكر ليس “مدرسة” موحدة، بل هو مجموعة اجتهادات فردية لكل مفكر، حيث يتناول كل منهم قضايا وأفكاراً مختلفة من منظور خاص، مما يمنحه مرونة وتنوعاً.
وأشار أفاية إلى أن “الفلسفة، بطبيعتها، لا تعرف الحدود، فهي عابرة للثقافات وتتطلب تطوراً مستمراً“. واستعرض أثر الفلسفة الفرنسية على الفكر المغربي، وكيف ساعدت في بناء هوية فكرية مغربية مميزة. من جانبه، دعا بنعبد العالي إلى تجاوز تصنيف الفلسفة ضمن مدارس فكرية تقليدية، مقترحاً توجيه الاهتمام إلى دراسة المفاهيم المركزية في الفكر، بينما ركّز الكباص على دور الفلسفة في إثراء التجربة الفردية، مشيراً إلى أن “مقاربة القضايا الفلسفية من زوايا مختلفة تعزز التفاعل بين الفلسفة والفنون الأخرى كالسينما والأدب، مما يضيف عمقاً للفكر الفلسفي.”
تأثير معرض الكتاب على الزوار
وترك معرض الشارقة أثراً، ليصبح أكثر من مجرد حدث ثقافي، بل منصة حيوية تفاعلية تُعزز التقارب بين القراء والمبدعين وتفتح أبواباً جديدة للتعاون الفكري والإبداعي. قد ساهم هذا المعرض في ترسيخ مكانة الشارقة كمركز ثقافي عالمي، حيث استضاف مجموعة واسعة من الأدباء والفلاسفة والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، ما أثار حوارات غنية حول قضايا فلسفية وأدبية وفكرية معاصرة.
واستطاع المعرض، بشعاره “هكذا نبدأ”، أن يُبرز أهمية الكتاب كوسيلة لربط المجتمعات وتعزيز التواصل الثقافي. ومن خلال استضافة ندوات وورش عمل حول موضوعات متعددة، شجّع المشاركين والزوار على تبادل الأفكار والآراء، مما ساعد في إحياء حبّ القراءة والتفكير النقدي لدى الزوار من مختلف الفئات العمرية.
المعرض الذي افتتح أبوابه من ال6 إلى 17 نوفمبر استضاف 2520 ناشراً من 112 دولة، ونظم 1357 فعالية قدمها 250 ضيفاً من 63 دولة و600 ورشة عمل، وهو ما يجعل من الشارقة منارة للمعرفة وعاصمة للثقافة العالمية.