مصادرة حرية الإعلام: تعددت الأسباب والنتيجة واحدة

وقائع تتعارض مع جوهر الصحافة الحرة. من إقالة صحفي إلى حظر مذيع أساليب تختلف وهدفها مصادرة حرية الصحفي. سياسة أم اقتصاد؟ الصحافة العربية تشبه بمحدودية حريتها الصحافةٌ الغربية، إلّا أن الغربية فضفاضة أكثر. القانون أنكر الصحافة العربية، والإتحاد الأوروبي يهتم بالصحافة أكثر من جامعة الدول العربية.
لم تعد مهنة الصحافة مهنة مليئة بالمخاطر كون الصحفي في مقر الحدث يغطي هذه الحرب أو تلك. بل أصبح تحت المخاطر منذ تلك اللحظة التي قرر فيها أن يكون ذو قضية، أو ذو رأي مختلف عن السلطة. استناداً إلى تقرير قام به المعهد الدولي للسلامة الإخبارية عن حماية الصحفيين إن 731 من أصل 1000 صحفي قتلوا في وقت السلم وبعيدا عن صراعات محلية أو دولية مسلحة. يرى الأستاذ أحمد فوزي وهو صحفي ومستشار سياسي لجريدة عربية، أن الصحافة العربية هي صحافة موّجهة فلم تعد حرية الصحفي السماء، بل أصبحت حريته تقف عند عتبة مالك المؤسسة، أو عند رجل سياسي، حتى إن رجال الأعمال المموّلون لبعض الصحف أصبح لهم موقف في هذا المضمار فأصبحوا يُقِيلوا الصحفي صاحب الكلمات الخارجة عن سياسة المسؤولين .
إقالة رئيس تحرير صحيفة “الدستور” ابراهيم عيسى دون ذكر أسباب وغياب أي ترشيح لغيره. خبر اعتبره الكثير من المصريين قمعا للرأي و وأداً للإعلام الحر في مصر، سبق الإقالة اعتذار عيسى عن تقديم برنامج “بلدنا بالمصري” على قناة “أون تي في” مبررا ذلك برغبته للتفرغ لرئاسة تحرير “الدستور”. وكانت مصادر في القناة شددّت على أن السبب وراء اعتذاره هو رفض ادارة القناة انتقاده للنظام المصري ورموزه. ومن آخر ما كتب عيسى في عاموده الأسبوعي على “الدستور”
بعض أسباب تحول المجتمع المصري إلى مجتمع طائفي من وجهة نظره: “أظن أن الفراغ السياسي الذي يعيشه المصريون واحد من أعمدة الخيبة الطائفية التي نتعايش معها تلك الأيام، فلا توجد حياة سياسية في مصر وغير مسموح للناس بممارسة السياسة وحكمنا فرعوني طاغوتي طغياني وحكومتنا قامعة قاهرة فاسدة وأحزابنا تافهة فارغة مسنة عجوز ومخرفة والجامعة محرمة علي نشاط الطلبة السياسي والشباب ممنوع من انتخابات حرة شريفة في المدارس أو الجامعات وكل شيء في مصر محتكر، يدخل الناس الجوامع والكنائس من باب البحث عن الشبع الروحي والامتلاء النفسي ثم تتطور الأمور أو تتدهور من التماسك النفسي إلي التمسك المتعصب إلي التشدد إلي التطرف إلي الكراهية والعدوان.”
يشعر بعض المواطنون المصريون أن حرية الإعلام في مصر تفوق بمراحل الحرية في مناطق عربية أُخرى. إلّا أن الواقع شهد الفترة الماضية منع برنامج “القاهرة اليوم” الذي يقدمه عمرو أديب على شبكة “أوربت”،
إضافةً إلى وقف “بلدنا مصر” وهو برنامج يقدمه ابراهيم عيسى قبيل اقالته من رئاسة تحرير “الدستور”. ينضم إلى اللائحة منع الكاتب علاء الأسواني من كتابة مقالته الأسبوعية في صحيفة “الشروق الجديد”. وقائع أثارت تساؤلات المراقبين حول حرية الإعلام في مصر. ولا يقتصر الأمر على مصر اذ علّق سماحة، هذا شيء غير جديد عربيّاً للأسف ولكن قد يكون تأخر حدوثه في مصر هو حماية رؤساء الصحيفة للصحفيين ولكن ما أن يطال النظام فرصةً خاصة في صدد الجدل والبلبلة للإنتخابات الرئاسية فينتهزها. فالنظام مستميت في محاولة السيطرة على الموقف.
الإقتصاد والصحافة: نظراً للوقائع فالوضع السياسي يحكم على مساحة حرية الإعلام عربيّا، أما غربيّا فللإقتصاد تأثير واضح على حرية الإعلام نظرا لمعطيات إقالة مقدم البرنامج الإخباري ريك سانشيز. لم يكن صباح سانشيز مشرقا بعد ان تخلت عنه شبكت “سي.ان.ان”: “سانشيز لم يعد مع الشركة، نشكره على السنوات التي أمضاها في الخدمة ونتمنى له الخير”. كانت اقالته نتيجة تعليقات مثيرة للجدل أدلى بها سانشيز عن اليهود في برنامج اذاعي. علّق سانشيز “ان اليهود ليسوا مستضعفين في المجتمع الأمريكي وأن معظم من يتحكمون في وسائل الإعلام الأمريكية من اليهود”. يذكر سماحة في هذا الشأن أن حرية العالم الغربي التي يشيد بها العالم العربي ليست حرية مطلقة. إلّا أنها فضفاضة أكثر و نوع التحكم فيها مختلف. فبينما العالم العربي يتحكم به النظام السياسي، الإقتصاد هو ما يحكم الإعلام الغربي. يضيف سماحة إن التوقيت السيء أدى إلى إقالة سانشيز، إذ تزامن تعليقه مع وقت حرج من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
مكانة الصحافة العربية والغربية قانونيّا: السياسة والإقتصاد وجهان لعملة واحدة، إذ ان لكل منهما سلطة على حرية الإعلام عربيّاً وغربيّاً. يذكر المحمد انه يجب صدور قوانين وتشريعات في سبيل حماية الصحفي من أي اعتداء على عمله أو قضيته. في صدد الحديث عن حدود الصحافة العربية وأهمية وجود قوانين تحميها، يقول مستشار قانوني مختص إن الصحافة العربية لا وجود لها قانونيا، هناك صحافة بالمعنى الحرفيّ للكلمة أي أن وجودها يقتصر على استخدام اللغة العربية كوسيلة للتعبير. أما قانونيا فالتشريعات والقوانين تختلف من دولة إلى أخرى فبالتالي لا نستطيع البت بحكم واحد لنفس الوضع في دولتين عربيتين مختلفتان. هنا تأتي أهمية الإتحاد الأوربي كونه ينص على قوانين للصحافة وعلى كل الدول الأعضاء الإلتزام بها. مع وجود عقوبات للدول المخالفة. هذا ما تفتقر إليه جامعة الدول العربية، إذ أن التشريعات ليست حاسمة أو واضحة بشأن الإعلام والصحافة “العربية”.
قطعت الصحافة العربية شوطا لا يمكن انكاره على مدى خمسة عشر سنة الأخيرة نظرا للتطور التكنولوجي وتعدد وسائل الإعلام إلّا أن الطموحات والآمال العربية ما زالت تطالب بالمزيد. .
Please follow and like us: