ماذا إن كان الشيطان الأخرس على حق؟

علا أبو شحادة/

قرأت منذ بضعة أيام مقولة نسبها ناشروها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الخليفة الراشدي عمر بي الخطاب، تنص بما يلي: “أميتوا الباطل بالسكوت عنه”، مستشهدين بالأشعار التي كان يكتبها كبار قبيلة قريش لذم الرسول محمد، وعدم وصول أي منها لنا لتكتم المسلمين آنذاك عليها. نصرف النظر عن صحة نسب القول للقائل، فإن في هذه العبارة حكمةً لم يتسنى لنا الانتباه إليها من قبل، وهي أن كثرة احتجاجنا وتنديدنا كعرب لإساءات الشعوب الأخرى ما هو إلا مساعدة على نشر وإعادة تدوير تلك الإساءات لتصل لأكبر عدد ممكن من الجمهور في العالم، بينما لو تجاهلناها لأصبحت في عداد النسيان.

ومن جديد، يعيد المشهد نفسه كاملاً من البداية. غضب عارم، تعليقات، تغريدات، وحملات مقاطعة، فمنطقياً ألسنا بهذا “ننشُر غسيلنا” أم أننا نخشى أن نصبح كالشيطان الأخرس؟

أفهم تماماً أن وقع ما نشرته صحيفة “شارلي إيبدو” لم يكن سهلاً على الجمهور العربي، فنشرُها لرسمٍ كاريكاتيري يسخر من وفاة الطفل آيلان كردي الذي عثر على جثته على شاطئ تركي العام الماضي كان بمثابة إهانة لمعاناة الشعب السوري كاملاً، وتحويل رحلات موتاهم إلى أوروبا إلى مادة للسخرية على صفحاتهم الأولى. وصور الكاريكاتير الطفل كردي شاباً وقد أصبح متحرشاً جنسياً.وظهر ذلك بهيئة اثنين من الذكور إحداهما آيلان، وهما يجريان خلف امرأة مذعورة. ويقول التعليق المرفق بالصورة “ما هو مصير الشاب آيلان فيما لو كبر؟ متحرشٌ في ألمانيا”.

ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية هي من أقل الصحف مبيعاً في فرنسا، حيث تُعرف باهتمامها بنشر الإشاعات والأخبار الكاذبة والمثيرة للجدل. حتى أن مبيعاتها قبل هجوم كانون الثاني/يناير من العام الماضي لم تكن لتتجاوز الثلاثين ألف نسخة أسبوعياً، بالإضافة لأنها كانت تواجه صعوبات مادية. ولكن الوضع اختلف بعد الهجوم على الصحيفة، فأصبحت “إيبدو” تبيع الآن مئة ألف نسخة أسبوعياً.
وبعد أسبوع من الهجوم، الذي أسفر عن مقتل اثني عشر شخصاً، منهم مدير تحرير المجلة “ستيفان شاربونييه” وأربعة من أشهر الرسامين الساخرين، تم نشر العدد الذي وصف بـ”عدد الناجين” والذي حقق مبيعات بلغت 7.5 مليون نسخة.

وهذا هو الحال للأسف وإن لم يكن الرسم الكاريكاتيري قد نُفذ بأيدينا، إلا أننا ساهمنا بشكل رئيسي في نشره وإيصاله للعالم. فلنُمت الباطل بالسكوت عنه…

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM