كانت ليلة مظلمة وعاصفة سطع فيها نجم أحمد مُراد في الشارقة

بابتسامته العفوية، وروحه الدعابية الشبابية المتواضعة، أطلّ الكاتب والسيناريست المصري الشاب “صاحب الفيل الأزرق” -رغم كرهه لهذا اللقب- أحمد مراد في جلسة حوارية بإدارة الإعلامي الإماراتي محمد ماجد السويسي، مساء الأربعاء، من منبر الملتقى 3 في معرض الشارقة للكتاب، ليشاركنا تجربته الإبداعية في عالم الغموض والجريمة والإثارة. ويخبرنا عن الوصفة السحريّة التي جعلته كاتباً بالشهرة والمكانة التي هو عليها الآن.

الكتابة لا ينفع لها أن تكون متنفّساً فقط

بدأ مراد بسؤال الحاضرين بعفوية عن ماهية الكتابة بالنسبة لهم، ولماذا يكتبون، دون أن يخلى الحديث من بعض دعاباته. وبالنسبة لبعض الحاضرين، الكتابة لهم هي متنفّس وطريقة للتعبير عن الذات، ولكن مراد كان له رأي آخر في الموضوع، فبالنسبة له “الكتابة لا ينفع لها أن تكون متنفّس فقط، بل يجب أن تكون مشروع جاد، يجب أن تختلف حياتك بفارق كبير بدون الكتابة”، فما دامت الكتابة هي خيار فقط أو متنفّس مؤقّت بمنشور صغير على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على إعجابات، فبرأي مراد، هي ليست كتابة جادة.

ويجب على الكاتب حسب مراد أن يدرس خياراته ويقدّم عمل مُحكم للقرّاء. وبالإضافة لهذا “أن يكون لديه وعي أكبر من القارئ ناتج عن القراءة المستمرة، وأن يضع أفكاره دفعة واحدة في صفحة واحدة”، وينتقي الأفكار ويحددها “البيانو عندما يكون لديه ألف مفتاح لا تستطيع أن تعزف عليه، بينما تستطيع أن تعزف عليه بـ88 مفتاح”.

 كيف يمكن للكاتب أن يتحدّى عوائق النشر؟

يرى مراد أنّنا لا يجب أن ننظر إلى مشكلة عدم وصول بعض الروايات للنشر بأنّها أزمة من الناشرين، بل في نظره أنّ أغلب الكتّاب اليوم “لا يعرفون كيف يكتبون جيداً”. ومن السهل جداً في هذه الأيام بالنسبة لمراد أن ينشر المرء ما يريده على الانترنت، لهذا فالأزمة هي ليست أزمة نشر بل ربّما يجب أن يمارس الكاتب النقد الذاتي بالقول “من الممكن للذي أكتبه أن لا يكون جيداً للنشر”.

والعامل الآخر الذي يعيق النشر هو ظنّ بعد الكتّاب أنّ المشاكل الدرامية التي يواجهها أصدقائهم ومن حولهم هي قصة تستحق أن تروى بسبب تأثّر صاحبها، ولكنّها في الواقع لا تكون كذلك، فالقارئ اليوم لا يبحث عن قصص عاديّة واقعية يمكن أن يجدها دائماً في وسائل التواصل الاجتماعي أو في الانترنت، بل يبحث عن ما يتحدّى خياله “كيف يمكن أن تبهر القارئ؟ بأن تكتب بأعلى من خياله”.

ما الذي أوصل رواية “فيرتيكو” إلى السينما؟

والنسبة لكيفيّة وصول رواية “فيرتيكو” الصادرة عن دار الشروق عام 2007 السينما، يرى مُراد بكلّ صراحة أنّها مسألة حظ، فممكن أن يكون هنالك العديد من الروايات الجيدة القابلة للتحويل السينمائي، ولكن لا يراها المنتجون ولا تجد فرصة لها للظهور.

ويؤمن مراد بحظّه مع “فيرتيكو” فيقول “أنا حظّي بأنّي بعت رواية فيرتيكو أوّل مرة لمخرج سينمائي شهير لسنة كاملة، ولكنّي تلقيت عرض من شركة إنتاج لصنعها كمسلسل درامي، فقبلته وأنهيت عقدي مع ذلك المخرج” وانتهى الأمر  بها أن تنتج كمسلسل درامي في 2012، من بطولة الممثلة المصرية هند صبري، ولاقى نجاحاً كبيراً.

وبسؤاله عن ما إذا كانت لخلفيّته الدراسيّة في مجال السينما دورٌ في وصول رواياته إلى السينما، يرى مٌراد أنّها بالفعل لها دور في كتاباته بأسلوبٍ تصويري، ولكنّ الكاتب يستفيد من أيّ شيء حوله ليس التصوير فقط، فالانتنباه لأدقّ التفاصيل كتفاصيل ملامح شخصِ ما، وتحليل أسلوبه وشخصيته له دورٌ مهم أيضاً، فمن الممكن لأشخاص عشوائيين أن يلهموا الكاتب.

وفي لقاء خاص عند دار الشروق قبل الندوة عن الوصفة التي أوصلت روايات مراد إلى السينما، أفصح مراد أنّ سرَ وصول رواياته إلى السنما هو سببين، الأول أنّه “أنا مصوّر، أنا أكتب بشكل تصويري، مما يجعل المنتج أو المخرج يشعر بقرب الرواية للشكل السينمائي”، والسبب الثاني “هو طبيعة الموضوع نفسه، فالفانتازي أو الفكرة الخياليّة لا توجد كثيراً في السينما العربية للأسف” فالأفلام العربيّة موجّهة للحديث عن مشاكل المجتمعات العربية الواقعيّة فقط ولكنّه “نادراً ما نجد فيلماً يخرج المشاهد من هذه الواقعية إلى منطقة الخيال” وهذا هو ما يجذب الناس في نظره.

رواية “أرض الإله”، لضجّة أم لقناعات؟

وبالنسبة للضجّة التي حصلت عليها روايته الخامسة “أرض الإله” التي أثارت جدلاً بين رجال الدين والوسط المجتمعي، وإن قصد فيها إثارة هذه الضجّة أم أنّها فقط قناعاته الشخصية، يقول مراد أنّها “لا ذاك ولا ذاك”، فهو لم يقصد بها الضجّة، ولا تعبّر أيضاُ عن قناعاته الشخصيّة، ويقول “لست مضطراً لصنع شيء له فرقعة إعلامية”، فالمقصود من الرواية هو الاستمتاع وإعادة التفكير من الصفر بكلّ ما نظنّه من مسلّمات، مشيراً إلى قصّة فرعون وموسى عليه السلام في الرواية.

وأعرب عن إمكانيّة تحويل رواية “أرض الإله” إلى فيلم ولكن “المجتمعات العربيّة لا تتقبّل ظهور نبي في فيلم خيالي”

هل النقد التاريخي يمنع ويوقف الكاتب عن الكتابة في هذا المجال؟

في السياق ذاته، وعن النقد الذي تعرّضه بسبب تطرّقه لقصص دينيّة وتاريخية ومزجها في الخيال بروايته أرض الإله، وعن ما إذا كان هذا النوع من النقد ممكن أن يوقف الكاتب عن الكتابة في هذا الأسلوب والمجال، يرى مراد أنّ “الذي يخاف يجب أن لا يكتب، ليس مضطراً لأن يصبح كاتباً”، فوظيفة الأدب في نظره هي “إثارة الأفكار التي في الإنسان”.

ويسأل مراد “ماهو التاريخ؟” فيرى أنّ كلّ شخص يمكن أن يروي التاريخ بمنظور مختلف، فلا أحد لديه العلم الكامل للتاريخ، فشخصيّة الزعيم المصري سعد زغلول تختلف في مصر بين من يراه شيطاناً ومن يراه بطلاً، وبهذا فإنّ “التاريخ هو شيء نسبي وسيظلّ هكذا”.

لماذا اللهجة المصرية؟

وعن سؤاله عن سبب غلب اللهجة العاميّة المصريّة في كتاباته، يرى مراد أنّ ” العامية ليست لهجة بل هي لغة أخرى تماما” تختلف بقواعدها عن الفصحى، وأنّ “الكتابة اختيار واللّغة اختيار”، وفي نظره أنّ “الناس لا تعلم ماللغة التي كانت متحدّثة منذ 100 سنة من الآن” لذلك يريد أن يدوّن اللغة العاميّة المصريّة المستخدمة في هذا الزمن لأنّ “الاحتفاظ باللغة هو جزء من الأدب”.

الرواية يجب أن تخدش القارئ

وعن سؤاله عن الجدل الذي أحدثته رواية “موسم صيد الغزلان” (2017) وموضوعها الجريء، فيقرّ مراد أنّ الهدف من الرواية كان إزعاج القرّاء، ويرى أنّ الكاتب دائماُ يكون أمام خيارين، “إمّا أن يكتب شيئاً يخبط بالقارئ أو يكتب شيء لطيف بسيط. أنا اخترت أن أخبط” ويضيف “الرواية يجب أن تخدش القارئ”.

ويذكر أنّ أحمد مراد (مواليد القاهرة 1978) هو كاتب وسيناريست مصري تخرّج من المعهد العالي للسينما في 2001 بترتيب الأوّل، ونالت أفلام تخرجه جوائز عالميّة للأفلام القصيرة. وألّف مراد العديد من الروايات التي تحوّل العديد منها إلى أعمال سينمائيّة وتلفزيونية  كرواية فيرتيجو (2007) والتي تمّ إنتاجها كمسلسل تلفزيوني (2012)، ورواية “تراب الماس” (2010)، ورواية الفيل الأزرق (2012) والتي حقّقت أكبر نسبة مبيعات في معرض القاهرة للكتاب (2013)، ونالت جائزة البوكر العربيّة (2014)، والتي صدر عنها فيلمان سينمائيان حقّقا نجاحاً باهراً على نيتفليكس، ورواية “1919” التي يؤمن بأنّها حققت نجاحاً ومبيعات أكبر من رواية “الفيل الأزرق”، وأرض الإله (2016)، وآخر رواياته موسم صيد الغزلان (2017). ويتميّز مُراد بشخصيّته المثقّفة التي تخاطب الشباب بلغتهم وأسلوبهم، وبحديثه الممتع المثير كرواياته.

وجاءت هذه الجلسة بعنوان “كانت ليلة مظلمة وعاصفة” ضمن عدة جلسات حوارية وندوات شارك فيها أحمد مراد في الدورة الثامنة والثلاثين لمعرض الشارقة للكتاب، والتي تستمر منذ 30 تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي إلى 9 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM