قيود عمليات السحب النقدي في لبنان والمودعين اللبنانيين المغتربين

ودّع اللبناني عام 2019 واستقبل عام 2020 مواجهاً أزمات وهموم متلاحقة؛ من “ثورة 17 تشرين”، إلى حجز المصارف أموال المودعين، إلى انتشار فيروس كورونا المستجد وحصر تجوّل، إضافة إلى صعوبات معيشية كثيرة تلاحقهم من الحرب الأهلية حتّى اليوم.
في الأوضاع الراهنة، استثنت بعض المصارف عدداً من كبار مودعيها من قيود عمليات السحب النقدي، وأتاحت لهم تحويل أموالهم إلى الخارج؛ فتمسّكت المصارف بتطبيق قيود صارمة على أبسط تعاملات صغار المودعين.
مع اتّخاذ قرار مغادرت بلدهم لبنان قبل 15 سنة بحثاً عن عمل وشهادات جامعية واستقرار وأمان وتعويض ما حُرموا منه في بلدهم، منعت عائلة الحايك، المؤلّفة من 4 أفراد، من سحب أموالهم من المصارف اللبنانية بسبب فرض قيود على عمليات السحب النقدي، في إطار خطة لحماية القطاع المصرفي من الضغوط، وربما من “الإنهيار”.
يعمل الحايك في شركة عمار في الإمارات. ومن اللحظة التي بدأ فيها العمل في الشركة (من 15 سنة)، يتقاضى راتبه عبر بنك أبو ظبي التجاري ويحوّل نصفه إلى مصرف البي أل سي في لبنان بالدولار ليحفظ أمواله واستعمالها بوقت الحاجة؛ معتبراً بوقتها أنّ “لبنان هو بلده، يحفظ فيه حقوقه الكاملة وأمواله التي عمل جهداّ للحصول عليها”.
ولكن بعد تراكم المشاكل في لبنان، واندلاع “ثورة 17 تشرين” وحجز المصارف أموال المودعين المقيمين والمغتربين، وبعد “المعاناة المقرفة” التي مرّ بها الحايك محاولاً سحب أمواله من مصرف البي أل سي في لبنان، اعتبر الحايك أنّ “المغترب اللبناني بعين السلطات اللبنانية ليس أكثر من منتج للعملة الصعبة التي يديرها مصرف لبنان والمصارف الأخرى”.
وبسؤال عن كيفية تحويل أموالهم لأهلهم المقيمين في لبنان، قال الحايك إنّه “لم يعد يحوّل أمواله ولا مخصصات أهله إلى لبنان عبر المصارف؛ بل ينتظر سفر أحد من أفراد العائلة أو أصدقائه المغتربين اللبنانيين في الإمارات إلى لبنان ويرسل معهم ما توفّر له من أموال نقداً إلى عائلته”.
لم تكن عائلة الحايك العائلة الوحيدة التي تعاني من هذه المشكلة، بل عائلة جوزاف مارون وزوجته وابنته المغتربة من 3 سنوات في الإمارات تجد صعوبة “في تأمين تكاليف معيشتها اليومية وتكلفة السكن والأقساط المدرسية ورسوم التعاملات الرسمية بـ 700 درهم أسبوعياً فقط”، حسب ما صرّحه جوزاف، الذي يعمل الآن في شركة تقدم خدمات توصيل البريد السريع في الإمارات.
قبل الإنتقال إلى الإمارات، عمل جوزيف في مؤسسة أدوات منزلية في لبنان ل10 سنوات وكان يتقاضى راتبه عبر مصرف لبنان والمهجر بالدولار. على مدار تلك السنوات، حفظ جوزاف جزءاً من راتبه في المصرف في لبنان وانتقل للعيش في الإمارات، معتقداً أنّه “سيتمكن من سحب المال من خلال بطاقته المصرفيّة للمستلزمات اليوميّة عند الحاجة”، ولكن بعد فرض القيود على التحويلات، قال جوزيف إنّه “لم يعد بإمكانه سحب أكثر من 700 درهم أسبوعياً”.
وبسؤالٍ عن كيف يمكن سداد الأقساط المدرسية وإيجار المنزل وتأمين معيشتهم اليومية من راتبه الشهري الحالي، قال جوزيف إنّ “راتبه الشهري ينتهي مع سداد إيجار البيت والأقساط المدرسيّة لابنته” ولكنّه يجد صعوبة في لتأمين المال لمعيشتهم اليوميّة.
لمواجهة هذه الصعوبات، فكّر جوزيف بالسفر إلى لبنان “لسحب قسم من المبلغ المالي بالليرة اللبنانية وتحويله إلى دولار عبر الصرافين، ولكنّه لن يتمكّن من سحب المبلغ الذي يريده”؛ حيث أنّ المصارف وضعت قانون أنّ الحق للمودع بسحب 200 دولار فقط في أسبوع واحد. وأضاف أنّه “إن تمكّن من سحبها، سيخسر ما لا يقل عن 20 في المئة من مدخولها كفارق سعر الصرف”.
المشكلة لا تقتصر على استحالة تأمين المصاريف فحسب، بل تتعداها إلى حال من الإنكسار والخذلان تركتها أزمة المصارف في نفوس المغتربين؛ “بلدنا سرَقنا” بهذه الكلمات عبّر الحايك عن حال آلاف المغتربين اللبنانيين في سائر دول العالم. وختم جوزيف قائلاً إنّه “يشعر بأن أحدهم سلبه تعب 10 سنوات تعويض نهاية خدمته في بلده لبنان”.
تحرير: ياسمين السمرائي