قلوبٌ محطّمة وأجنحة مكسورة تحت عنوان “الزواج”

تخيّلي أن تتزوّجي غريباً؟ هذه الفكرة ليست بالغريبة في مجتمعاتنا الشرق أوسطية، وخاصّة مع انتشار الكورونا والتباعد الاجتماعي الذي دفع البعض لإلغاء فترة الخطوبة، والزواج مباشرة على الانترنت. ولكن لهذه الزواج في مجتمعاتنا جانبٌ مظلم يعجّ بعلاقاتٍ سامّة، عنفٍ منزلي، زواج قُصّر، ونسبٍ طلاقِ عالية جداً. فمن يتحمّل مسؤولية زيادة هذه المشاكل؟ أودّ أن أشير بإصبع الاتّهام هنا إلى الزواج التقليدي وأشرح لما قد يكون فكرة مريعة لأسبابٍ عدّة.
عدم التوافق في الشخصيّات
السبب الأوّل هو أنّه مع تغيّر العصر، والوصول للتعليم، أصبحت الشخصيّات أكثر تعقيداً ممّا كانت عليه بالسابق، وزادت الفروق الشخصيّة والإيديولوجيّة بين الناس. لذا، أصبح من الصعب جمع اثنين تحت سقفٍ واحدٍ وتوقّع انسجامهما بهذه السهولة.
وعلى الرغم من أنّ فترة الخطوبة دينياً هي فترة تعارف بين الطرفين لمعرفة إن كانا سيكملان سوياً أم لا، إلّا أنّ هذه الفترة أصبحت غير كافية، حيث أصبحت تُعامل مجتمعياً أحياناً على أنّها فترة تحضير للزواج، وكانّ القرار قد أًخذ مسبقاً واتّفق عليه ولا اعتبار لتوافق الطرفين العاطفي فيه. وعلى سبيل المثال، عندما يخرج الخطيب والخطيبة في موعدٍ مُخطّط له للتعارف في فترة الخطوبة، قد تتستّر بعض العادات والصفات التي يمكن أن لا يتحمّلها الاثنين تحت قناعٍ يضعانه لإظهار صورة مثاليّة عن نفسيهما؛ ممّا يخلق في ذهن الطرفين صورة غير واقعيّة عن الآخر قد تؤدّي إلى الطلاق في المستقبل.
ضغوطات اجتماعيّة
السبب الآخر لما قد يكون الزواج التقليدي فكرة مريعة، هو الضغط المجتمعي خلال فترة الخطوبة، فعند إعلان الخطوبة بين اثنين، يُصبح من الصعب التراجع عنها حتّى الزواج، حيث انّ البعض في هذا المجتمع يميل إلى لومُ الفتاة على فسخ الخطبة واعتبارها كمُنتج مضروب. آلاء (30 عاماً)، لا يتقدّم إلى خطبتها أحد، بعد أن فسخت خطوبتها التي دامت ثلاث سنوات، حيث أنّ المجتمع لا يحبّذ حتّى فكرة طول الخطوبة لاعتقاده أنّها قد تؤدّي إلى تطوّر علاقة حميمية مخلّة بالدين والآداب.
ولا ينتهي الضغط الاجتماعي هنا، فعندما يقع اثنين بالحب ويأتي الشاب ليطلب يد حبيبته، بالحلال، يتلقّاه أهل الفتاة، في بعض الأحيان، بطلباتٍ مُبالغ بها ومهرٍ عالٍ. وإن لم يستطع الشاب أن يرتقي إلى هذه التوقّعات المجتمعيّة الماديّة سيُرفض. ممّا يؤدّي إلى تدمير قصص حبّ كبيرة؛ بسبب عدم توافر المعايير السطحيّة في الشاب والحكم عليه مادياً، عوضاُ عن الحكم على مدى حبّه واحترامه للفتاة المُقدم على زواجها، أو الأخذ بعين الاعتبار حبّ الفتاة له.
انعدام الحب
وهذا ينقلنا إلى السبب الآخر وراء فشل الزيجات التقليدية أحياناً وهو انعدام الحب والمشاعر في العلاقة الزوجية بين الطرفين في حال استسلامهما لاختيار الأهل. قد يؤدّي هذا الانعدام إلى احتمال أعلى للعنف المنزلي (لغياب المشاعر والتفاهم بين الطرفين)، أو اتّباع الطرفين للخيانة الزوجية كمهرب، أو عدم التفاعل أو الانخراط في العلاقة الزوجية الحميمية. وهذه هي الأسباب الرئيسيّة للطلاق في مصر بحسب دراسة أجريت في 2019. وتزداد حالات الطلاق في مصر سنوياُ حيث ارتفعت النسبة 6.7% في 2018 مقارنتاً بعام 2017 بحسب إحصائيّة للجهاز المصري المركزي للتعبئة والإحصاء.
غياب حرّية الاختيار
غياب حريّة الاختيار أحياناً هي من أكبر الأسباب التي تجعل الزواج التقليدي فكرة مريعة، حيث تتزوّج العديد من الفتيات في الوطن العربي بالقوّة، أو دون السن القانوني للزواج.
وقد يتطوّر هذا الإجبار ليصبح اغتصاباُ تحت إطار الزواج كحالة الفتاة السودانية نورا حسين (19 عاماً)، التي حُكم عليها بالإعدام في 2018 بسبب قتلها لزوجها الذي أٌجبرت على زواجه فاغتصبها ليلة الزفاف، ليلغى هذا الحكم ويستبدل من قبل محكمة الاستئناف يالسجن لمدّة خمس سنوات، وإلزامها دفع “الدية” بعد انتقاداتٍ من منظّمة العفو الدوليّة، وغضبٍ شعبي عارم تجاه هذا الحكم.
زواج القواصر
والأمر لا يقف هنا، فـ ـ19% من الفتيات في الوطن العربي يتزوّجن تحت سن الـ18 بحسب إحصائية اليونيسيف 2015. هذه النسبة قد تكون حتّى أعلا من هذا باعتبار أنّ بعض العائلات في سوريا ومصر لا تُسجّل الزواج حتّى تبلغ الفتاة السن القانونيّة، ولكن في الواقع تكون متزوّجة من قبل خارج المحكمة.
أخيرًا، حتى لو كانت الزيجات القائمة على الحب قد تسوء وتنتهي بالعنف المنزلي أو بالطلاق أيضاً، إلّا انّها على الأقل قائمة على حرّية الاختيار ، على عكس بعض الزيجات التقليدية. وليست جميع الزيجات التقليديّة سيّئة، فالبعض منها يمكن أن يكون ناجحاً جداً ومبنيّ على الاحترام والحب المتولّد بعد الزواج. ولكن لما ترك الأمور تعتمد على الحظ في هذا؟
كل شيء مهم عندما يتعلق الأمر باختيار شريك الحياة. لذا، لا يجب حرمان أي شخص من حرّية هذا الاختيار، ويجب أن تتاح لنا جميعًا الفرصة للخروج وإيجاد الحب والتجربة داخل حدود الشرع والدين.
تحرير: إليسا جرداق