فيروس كورونا: تعب نفسي وجسدي للأطباء

مصدر: unsplash

محاربةً في الخط الأمامي ضدّ الفيروس الذي هدّد العالم، تقف الممرضة، مارغوريت يوسف، على قدميها لمدة 12 ساعة، حاملة على أكتفاها أرواح الحالات المشبوه بإصابتها، والمصابة بفايروس “كوفيد-19″، ولكن ليس قدميها ما يؤلمها فقط، بل أنّ نفسيّتها، هي وبقية الممرضين والدكاترة المحاربين في الجبهة ذاتها في “مركز الشمال الإستشفائي” في لبنان، تتألّم أكثر في هذه الحرب. وتقول يوسف بصوتٍ خافتٍ ورقيق ، أن أبرز المعانات التي يواجهها الأطباء والأطقام الطبية، ليس فقط في لبنان ولكن في جميع أنحاء العالم، “هو البقاء في المستشفى إلى جانب المرضى ومساعدتهم على التغلّب على المرض، والخوف من عودة المنزل خشيةً من العدوى، كلّ هذا والمسؤولية التي تهبط علينا عندما نقوم بواجبنا”.

ويوسف لا تخاف فقط من بقائها في المشفى، وإنّما حتّى عودتها إلى المنزل تُخيفها. وأكّدت إنّ التعامل مع المرضى لم يتغيّر ولم يشعر المريض المصاب بفيروس كورونا على أنّه سبب التوتّر الذي يعيشه الأطباء، بل كانت المعاملة إيجابية جدّاً ودون تنمّر من أي نوع. فالتوتر لم ينتج عن المريض أو الوضع أثناء العمل، بل عند خروجهم من المستشفى وسماعهم للأخبار وخاصة الأخبار المنتشرة عبر وسائل التواصل الإجتماعي كان مشاعر الذعر والخوف تسيطر على كيانهم النفسي. كما أن “إدارة المستشفى باتت تؤمّن أماكن للمناة السليمة في المبنى والمركز الإستشفائي للطاقم الطبي الذي يتعامل مع حالات مشتبه بها أو مؤكّدة بالإصابة بالفيروس. وذلك لتجنّب نقل العدوى إلى الأهل والأولاد والأحباء، وبهدف الحدّ من التوتر أو القلق الذي يتسبب من خلال خوف العودة إلى بيوتنا.”

ولكن في ظلّ تسليم العالم أرواحهم للأطبّاء والممرضين والاعتماد عليهم في حرب مواجهة فيروس شبه مجهول ولا يرحم، إلى من يسلّمون أرواحهم هم في حالة إصابتهم في هذه الحرب؟.

ويضطرّ بعض الممرضين والأطباء إلى الخضوع للحجر الصحي والانغلاق القسري عن عائلاتهم وأولادهم، وذلك بهدف حمايتهم من احتمال الإصابة بالوباء. الأمر الذي يولّد قلق وتوتّر لافتقادهم في العديد من الأحيان إلى الراحة التي تؤمّنها عائلاتهم.

أما بنبرة صوت تشير إلى غيظ من تلك الذكريات، يسرد طبيب العام للطوارئ في مستشفى “سرحال” في لبنان، الدكتور يحيى شحادة، تجربته في الاتصال المباشر بحالة كورونا وخضوعه للحجر الصحي بعيداً عن أهله وأولاده في اتصالٍ هاتفي، فيقول: “تعاملت مع مريض أخفى إصابته بفيروس كورونا وهذا نوع من عدم المسؤولية واللا مبالاة. وبعد ساعات من التعامل معه ورغم أخذ احتياطاتنا، يخبرنا ابنه أنّ والده كان على تواصل مباشر بأحد المصابين بالفيروس. لذلك، جزءٌ من الطاقم الطبي ومن بينهم أنا، كان علينا أن نخضع للحجر الصحي ولفحص الPCR. وهذا وأتعبنا وأتعب أهلنا نفسياً.”

فخوف شحادة كان موجوداً ولكن ليس خوفٌ من الإصابة بالفيروس وإنّما خوفٌ من العودة إلى أهله وزوجته بعد انتهاء الدوام، لأنّ “خطر الإصابة موجود رغم الاحتياطات المتّخذة في المستشفى، وهذا نوعاً ما يولّد قلق وهوس دائم خشيةَ من أي مكروه، مما يجعلني أشعر بالذنب أو بالندم بقية أيام حياتي. والضغط الذي نتعرّض له ليس فقط من التعامل مع المرضى وإنّما من المرض عينه لأنّ الفيروس جديد ولا نعرف كيف يمكننا التخلص منه”. ويذكر شحادة أنّ من أسوأ المزاقف التي تواجهه هو عدم مقدرته على التمييز بين كورونا والإنفلونزا العاديّة عندما يسأله مرضاه عن هذا بسبب المعرفة البدائيّة القليلة للفايروس.

وفي هذا السياق، قد يولّد الانعزال الفردي للأطباء اضطرابات قلقٍ وتوترٍ، بل بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثّر هذا الحجر على عائلات وأولاد أولائك الأطباء والممرضون. وتُبيّن مدرّسة علم النفس في الجامعة الأمريكية اللبنانية، الدكتورة نورما موصلّي، إلى جانب أولاد الأطباء، المأساة والمعانات التي يواجهها الطاقم الطبي.

يواجه الكثير من الأطباء والممرضين حول العالم قلق وضغط نفسي في ما يتعلّق بخوفهم من العودة إلى المنزل. فبغض الطرف عن حاجتهم إلى الدعم الذي تقدّمه لهم العائلة، يفضلون البعد على احتمال العدوى.

وفي المقابل، يروي لي الطبيب المتخصص بأمراض الدم والسرطان في مركز “غوستاف روسي” في مدينة “فيل جويف” الفرنسية، الدكتور علي نبيل شمس الدين، التأثير النفسي الذي يتعرّض له الأطباء في فرنسا. ويعبّر عن وجهة نظره في ما يتعلّق بمسألة الانغلاق والبعد. وبصوتٍ واثقِ وثابت، يذكر: “نتعرّض للضغط في فرنسا كبقية الأطباء في كل أنحاء العالم. وكان يتم تفريغ فراش المرضى من أجل تأمينها لمرضى السرطان المصابين بفيروس كورونا. أمّا بالنسبة لعائلاتنا، لم نكن نتأثّر كثيراً بالضغط نسبةً لطبيعة عملنا. والاحتياطات المتّبعة أثناء عملنا كانت كافية لضمان سلامتنا. لذلك، لم نترك أولادنا وما زلنا نلتقي بهم. وخاصّةً أنّ الأولاد ليسوا معرّضين كثيراً للإصابة بالفيروس. ويجب التغلّب على الخوف واستعمال فكرنا والمنطق. ففي النهاية هذا عملنا ونحن حذرون على سلامتنا وسلامة عائلاتنا.”

كما تابع في ما يتعلّق بالعزل عن الأهل: “ولكن بالطبع لا ننخلط مع الأهل في حال تجاوز أعمارهم الستّين عاماً؛ وذلك بهدف حمايتهم من الإصابة. بل عدم الانخلاط بأولادنا وأزواجنا لا يحميهم أكثر من غيرهم؛ لأنّ الجميع معرّض للإصابة بفيروس كورونا في مرحلةٍ ما، فاللقاح الطبي لن يتوفّر إلّا بعد سنتين. ولكن في النهاية، يختلف الأشخاص وتختلف معهم قوتهم النفسية والمعنوية وقدرة تحمّلهم للضغط والمسؤولية، ولذلك قد يعاني البعض فور مرورهم في مرحلة صعبة أثناء العمل ولا يحصلون على الراحة التي تؤمنها العائلة.”

وفي مبادرة تأمين فرص الترفيه للطاقم الطبي الذي بات خط دفاع أوّل وأساسي في مواجهة تفشي فيروس كورونا، بذلت الفرق الفنية جهداّ للغناء خارج مداخل بعض المستشفيات التي تحضن المصابين بالفيروس. وذلك بهدف رسم بسمة على وجوه المرضى والممرضين وزرع أمل لمستقبل افضل.

تحرير: حلا حاج طالب

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM