عن الزمان الذي يذوب بين طيات معرض الشارقة

“على قدر أهل العزم تأتي العزائم”، هكذا قال المتنبي في أحد أبياتهِ الشهيرة، ليؤكد أن الإصرار على طلب المعرفة والسعي وراءها هو ما يصنع العظمة. ومن هنا، يأتي معرض الشارقة الدولي للكتاب كواحد من أبرز المحافل الثقافية التي تحتفي بالسباق الخلاق لاكتساب المعرفة، حيثُ يلتقي الكُتاب والقُراء والمبدعون من مختلف أنحاء العالم.
المعرض كالنهر الجاري، يستمر في تدفق المعرفة منذ 43 سنة، ويغذي الروح والذهن، لينتشر من خلاله الإبداع إلى آفاق جديدة.، وهذا بفضل دعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، الذي رعى انطلاقة فعاليات الدورة الـ43 للمعرض في 6 نوفمبر 2024، لتجمع أكثر من 2500 ناشر من 112 دولة في مكان واحد، وتعرض أكثر من 1300 فعالية ثقافية من ورش عمل، ندوات، وعروض أدبية.
استحق معرض الشارقة للكتاب أن يكون واحداً من أهم الفعاليات الثقافية على مستوى العالم، بفضل تنوع المشاركين والأنشطة التي يقدمها، مما يجعله نقطة التقاء ثقافية فريدة. هذا العام، يستضيف المعرض المملكة المغربية كضيف شرف، حيث يستعرض زوار المعرض تاريخاً غنياً وثقافة عميقة، من خلال ورش عمل وعروض موسيقية وأمسيات شعرية تبرز التراث المغربي. وبالإضافة إلى ذلك، يشارك نخبة من الكتاب والشعراء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم في تقديم فعاليات ثقافية تتنوع بين الأدب والفكر والموسيقى، مما يعكس تنوع المعارف التي يقدمها هذا المعرض الذي أصبح بمثابة منصة عالمية للتلاقي بين الثقافات. ولا تقتصر تجربة المعرض على الجوانب الثقافية والفكرية فحسب، بل تمتد لتشمل أجواء ترفيهية واستراحات مريحة، حيث تتوفر ردهة للطعام تضم مجموعة واسعة من الأكشاك والمطاعم العالمية، التي تقدم مأكولات من مختلف المطابخ لِتُناسب جميع الأذواق.

ما يميز معرض الشارقة الدولي للكتاب لهذا العام هو اهتمامهِ المتزايد في إشراك مختلف الأجيال في فعالياته، بما في ذلك ورش العمل المخصصة للأطفال التي تركز على تنمية مهارات الكتابة والتفكير الإبداعي، إضافة إلى الأنشطة التعليمية التي تتيح للشباب اكتساب مهارات التواصل الرقمي وصناعة المحتوى. هذا التنوع في الفعاليات يعكس سعي المعرض إلى توفير بيئة تعليمية محفزة تُنمي إبداعات الأجيال القادمة وتُزودهم بالأدوات اللازمة للمساهمة في تطوير المجتمع.
فضلاً عن ذلك، فإن المعرض يولي اهتماماً خاصاً بالتنوع في الندوات، حيث تتناول موضوعات مختلفة تجمع بين العلوم والفنون والثقافة، مما يتيح للحضور استكشاف مجموعة واسعة من المجالات. ومن أبرز ما يميز هذه الدورة من المعرض، هو العمق الفكري الذي تقدمه بعض الندوات التي تمس قضايا الساعة.
على سبيل المثال، وفي ندوة بعنوان “دور علم النفس الإعلامي في تكوين القيم والاتجاهات لدى الشباب”، تحدثت الدكتورة أمل بدر عن الأثر الكبير للإعلام في تشكيل مواقف الشباب وأفكارهم، مشيرة إلى أن “الشباب يساهمون في تطوير المجتمع من خلال تحسين البنية التحتية، وتطوير البرامج التعليمية، وتعزيز الوعي بالقضايا الأخلاقية والاجتماعية”. هذه الندوة سلطت الضوء بشكل كبير على الدور الحيوي الذي يلعبه الإعلام في تكوين القيم لدى الشباب، كما أكدت على أهمية تبني الشباب للمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية في العصر الرقمي.
سيبقى هذا المعرض شعلة تتوهج في سماء المعرفة، كما يتساقط نورها على الحضور ليلامس عقولهم وقلوبهم. فهو ذلك المكان الذي يتحول فيه الكُتاب إلى جسر، يحمل الزوار من ضفة إلى ضفة، من فكرة إلى فكرة، ومن حضارة إلى حضارة. كما أن الزمان في هذا المعرض يذوب بين صفحات الكتب، وتتمازج فيه الأجيال بين حرف وآخر، ليصنعوا معاً ثورة ثقافية لا تقدر بثمن.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM