عمليات التجميل لدى الفتيات: حاجة ضرورية أم موضة؟
تحقيق: سالي عايش ولارا عقلة
هيا مهروسة شابة سورية تبلغ من العمر 25 عاماً، اتخذت قرار مهماً للتغلب على قلة الثقة بنفسها والتي انعكست بوضوح عند ارتدائها للملابس. لكن رغم جهودها الحثيثة في محاولة زيادة حبها لذاتها من خلال ممارسة الرياضة وتغيير نمط حياتها، وجدت هيا نفسها تواجه صعوبة في الاستمرار ووصولها لـ”الوزن المثالي”؛ إذ كانت تطمح هيا للعمل كمضيفة طيران، بعد أن واجهت رفضاً قاسياً بسبب وزنها الزائد الذي لم يتناسب مع متطلبات الشكل الخارجي للوظيفة.
وكان هذا الرفض هو الدافع الذي أوقعها في قرار استكشاف مجال عمليات التجميل، حيث اتخذت قراراً بإجراء “نحتٍ” لجسمها. وبعد إجراء العملية، قالت هيا: “رغم نتائج العملية الإيجابية، إلا أنني عانيت من آلام شديدة لا تُنسى. كانت تلك التجربة مؤلمة وبعيدة عن سهولتها المتوقعة”. عملية نحت الجسم هي عبارة عن عملية تجميلية قد تكون جراحية أو لا، تهدف إلى إعادة هيكلة وتناسق الجسم بعد فقدانه الكثير من الوزن، إذ يتخلص الشخص من الجلد والدهون الزائدة في منطقة معينة في الجسم ويُعاد تشكيلها وتبلغ تكلفتها ما يقارب 25000 درهم إماراتي.
ومن ناحية أخرى، تشرح الدكتورة في التجميل كارينا نصر أن التأثيرات النفسية تعمل كمحرك قويّ لاتخاذ قرارات التجميل: “غالبية المرضى الذين يلجأون إلى إجراء عمليات تجميل يتأثرون بشدة بالمشاهد الإعلامية وضغوط المجتمع. وتتعرض الفتيات لصور نمطية عن المظهر المثالي في وسائل التواصل الاجتماعي، مما يولد لديهن مشاعر سلبية تجاه مظهرهن الشخصي. وقد تصل هذه المشاعر إلى حد الإحباط النفسي، ما قد يدفع بعض الفتيات إلى الخضوع لعمليات تجميلية جراحية.
لارا عقلة وسالي عايش مع طبيبة التجميل د. كارينا نصر
الدوافع والاتجاهات
تتنوع أسباب خضوع الفتيات لعمليات التجميل، حيث تتعدد العوامل التي تشكل محفزات قوية لاتخاذ هذا القرار. وفي ظل المجتمعات الحديثة، يشهد التقدم التكنولوجي ظهور معايير جمالية مثالية قد تكون غير واقعية، مما يدفع الفتيات إلى البحث عن طرق لتحسين مظهرهن. ويساهم ذلك في انتشار صور المشاهير وعارضات الأزياء على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تروج لمفهوم الجمال المثالي.
ومع تزايد الوعي بأهمية العناية بالبشرة والجسم، تسعى الفتيات إلى الحصول على مظهر صحي وجذاب. وتتوفر العديد من المنتجات والإجراءات التجميلية التي تُعد بتحسين مظهر البشرة والشعر والجسم، مما قد يدفع الفتيات إلى الخضوع لهذه الإجراءات. كما تسعى بعض الفتيات إلى تحسين ملامحهن بشكل طبيعي ومتوازن. حيث يمكن لعمليات تجميل الوجه وإجراءات تجديد البشرة أن تساعد على تصحيح عيوب الوجه، أو تحسين شكل الأنف أو الشفاه أو الخدود.
وتقول طبيبة التجميل في مستشفى “اوريانا” في إمارة الشارقة، د. جود مسكجي: “نحن كمتخصصين في هذا المجال ندرك تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، ونعتبرها محفزاً لتوجيه القرارات بشكل ذكي”. وأوضحت أنهم ملتزمون “بتحقيق توازن فعّال” بين تلبية توقعات الزبائن وضمان نتائج طبيعية وآمنة.
طبيبة التجميل في مستشفى “اوريانا” في إمارة الشارقة، د. جود مسكجي
شاركت الشابة ديانا داريا، (20 عاماً)، تجربتها مع عمليات التجميل. تأثرت ديانا بمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يروج لمعايير جمالية مثالية قد تكون غير واقعية. قررت ديانا إجراء عملية فيلر لتحديد حنكها، بهدف تحسين مظهرها. تتراوح تكلفة عملية “الفيلر” في الإمارات بين 1250 و2000 درهم إماراتي، وتعتمد على عوامل مختلفة، مثل حجم الحقن والتقنية المستخدمة.
لكن لسوء حظها، لم تفهم الطبيبة طلب ديانا بشكل صحيح، فقررت حقنها بشكل مبالغ فيه، مما أدى إلى تغيير كبير في ملامح وجهها. شعرت ديانا بالندم الشديد على قرارها، وبدأت تعاني من مشاكل نفسية بسبب تغير مظهرها.
وتبرز قصة ديانا تأثيرات غير متوقعة لقرارات التجميل. يمكن أن تؤدي عمليات التجميل إلى تغييرات كبيرة في المظهر، وقد لا تكون هذه التغييرات دائما مرغوبة. من المهم إجراء بحث شامل قبل اتخاذ قرار الخضوع لعملية تجميل، والتأكد من اختيار طبيب متمرس ومؤهل.
ديانا داريا بعد عملية الفيلر لتحديد الحنك
وفي سياق متصل بإجراء عمليات التجميل، تشير الطبيبة المتخصصة في التجميل في مركز برايم الطبي، د. سالي كميل، إلى أن مجال التجميل يشمل عمليات متنوعة، ليس فقط الإجراءات الجمالية مثل “الفيلر” أو “البوتوكس”. ويمكن للأفراد اللجوء إلى عمليات التجميل في حال وجود مشكلة تؤثر بشكل كبير على المظهر العام، كما حدث مع الشابة ليا العزوري (20 عاماً).
الدكتورة سالي كميل في مركز برايم الطبي
قررت ليا إجراء عملية تجميل لأنفها بسبب انحرافه نتيجة لحادث، وكانت هذه العملية ضرورية لتحسين الشكل والصحة العامة. استلزم الأمر القيام بجراحة الجيوب الأنفية، وهي إحدى الوسائل العلاجية المستخدمة لتصحيح التشوهات وتحسين أعراض التهاب الجيوب الانفية. تكلفة هذه العملية بلغت 2500 درهم إماراتي، مما يبرز أهمية إجراء عمليات التجميل في حالات ضرورية لتحسين الصحة والمظهر العام.
الشابة ليا العزوري قبل وبعد معالجة الجيوب الأنفية
مخاطر ناجمة عن عمليات التجميل
تتسارع خطورة الإفراط في عمليات التجميل، خاصةً عندما يلجأ الأفراد إلى غير المختصين ويعتمدون على الأدوات ذات التكلفة المنخفضة. هذا المسار يحمل في طياته العديد من المخاطر المتزايدة على الصحة والجمال، ناتجة عن نقص الكفاءة والخبرة الضرورية.
ومن أبرز القصص قصة الشابة مي محمد الزعبي، (22 عاماً)، المتخصصة في إدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية في الشارقة، التي تنقلنا إلى رحلة مأساوية انطلقت قبل سنتين. كانت مي تعيش حالة من التوتر والانزعاج بسبب التعليقات السلبية التي كانت تتلقاها بشأن صغر حجم شفتيها. ولتحسين ثقتها بنفسها وتحقيق تغيير إيجابي، قررت مي الخضوع إلى عملية حقن الفيلر للشفاه. وجدت مي نفسها في عيادة تجميلية بعد أن رأت إعلاناً جذاباً عبر موقع إنستغرام.
وكانت الخصومات الكبيرة تبدو كفرصة جذابة لتحقيق التحسين الذي كانت تتطلع إليه، إذ حصلت على سعر 450 درهماً إمارتياً مقارنةً بالأسعار المتعارف عليه في العيادات التي تتراوح بين 1200- 2000 درهم إمارتي. ولكن كما يحدث في العديد من القصص، لم تكن النتائج كما كانت تتوقع. خلال الجلسة، شعرت مي بحساسية شديدة تجاه المادة المستخدمة، مما أسفر عن انتفاخ كبير في شفتيها. بعد أن أمضت ليلة في المستشفى، أصبحت مي تعاني الآن من خوف شديد تجاه أي إجراءات تجميلية مستقبلية. تحولت تجربتها إلى كابوس، حيث أصبحت تعيش في حالة من عدم الارتياح الدائم والترقب العصبي. تعبيرها عن رغبتها في استعادة ملامح وجهها الأصلية يعكس أملها البسيط في استعادة هويتها والتخلص من آثار هذه التجربة الصادمة.
صورة الشابة مي بعد خطأ الحقن الأول من الفيلر
صورة الشابة مي بعد إعادة الحقن الثاني من الفيلر
من الناحية الطبيّة الصحيّة، ينطوي هذا المسار على مضاعفات خطيرة ناجمة عن فقدان الكفاءة الطبية واستخدام أدوات غير مناسبة مما يؤدي إلى آثار جانبية خطيرة ومشاكل صحية كما حدث مع مي. وفي هذا السياق، أكدت المساعدة الإدارية السابقة في قسم إدارة التدقيق والتفتيش والرقابة في وزارة الصحة ووقاية المجتمع في دبي، حمدة البلوشي، على وجود ممارسات خاطئة في مجال التجميل إذ تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل وجود فنيين غير متخصصين واستخدام مواد تجميلية رديئة أو مغشوشة. وشددت البلوشي في تصريح لـ (MBRSC POST) على ضرورة الالتزام بالاستشارة مع متخصصين واستخدام أدوات وتقنيات طبية معتمدة لتجنب المخاطر وضمان النتائج الآمنة. ودعت المرضى لمراجعة العلاجات التجميلية والمنشآت الصحية المرخصة بالإمارات للحصول على الخدمات الطبية الموثوقة.
المنظور القانوني لعمليات التجميل في دبي.
في ظل تزايد قضايا الأخطاء الطبية، يبدو أن ارتفاع عدد السكان والأطباء أمر مألوف. ومع ذلك، أظهرت إحصاءات صحيفة “الإمارات اليوم” أن الإقبال على الخدمات التجميلية في دبي قد زاد بنسبة 161.2% خلال العام الماضي. ويرجع هذا الارتفاع إلى الإعلانات الكاذبة والمضللة التي تروج للجمال المثالي، مما يؤدي إلى ظهور العديد من المشاكل الصحية. ولعل أبرز هذه المشاكل هو ارتفاع نسبة الأخطاء الطبية، والتي تتجاوز التوقعات.
وتظهر هذه الأخطاء بشكل واضح في عمليات التجميل الشائعة، مثل تكبير الثدي وحقن الفيلر. وأوضحت المحامية أمينة الكنفاني أن حالات الأخطاء الطبية تحتاج إلى خبراء قانونيين ذوي تخصص وخبرة عالية، وقضاة ملمين بالتفاصيل الطبية. كما شددّت على ضرورة إعادة النظر في عملية اختيار الخبراء، والتأكيد على الشفافية والمهنية في هذا السياق.
وتتمثل القضية في ارتفاع نسبة الأخطاء الطبية في عمليات التجميل في دبي، والتي تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
أولاً: وجود أشخاص غير مؤهلين لإجراء هذه العمليات الدقيقة، مما يؤدي إلى حدوث مضاعفات خطيرة على المرضى.
ثانياً: انتشار الدعاية المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تروج لكفاءة ومهنية الأطباء والمرافق الطبية دون أساس من الصحة.
ثالثاً: التنافس غير الصحي بين العيادات التجميلية، والذي يؤدي إلى منح تراخيص غير مناسبة لأشخاص غير مؤهلين، أو إلى تقديم خدمات بأسعار منخفضة دون مراعاة الجودة والسلامة.
ومن الناحية القانونية، أوضحت المحامية أمينة الكنفاني الحاصلة على شهادة المحاماة من جامعة الشارقة وتخصصت بالمسؤولية القانونية عن الأخطاء الطبية أن حالات الأخطاء الطبية تحتاج إلى خبراء قانونيين ذوي تخصص وخبرة عالية، وقضاة ملمين بالتفاصيل الطبية. كما شددّت على ضرورة إعادة النظر في عملية اختيار الخبراء، والتأكيد على الشفافية والمهنية في هذا السياق.
المحامية أمينة الكنفاني
ما ينبغي التنبّه إليه في عمليات التجميل
بناءً على ما سبق، يمكن استخلاص مجموعة من الاستنتاجات حول عمليات التجميل، وهي كالتالي:
– تنوع عمليات التجميل بين الضرورية والموضة: تتنوع عمليات التجميل بين عمليات ضرورية، مثل جراحات تصحيح العيوب الخلقية أو معالجة آثار الحوادث والحروق، وعمليات تجميلية، مثل عمليات تكبير الثدي أو شفط الدهون، والتي تهدف إلى تغيير المظهر الخارجي.
ارتفعت نسبة عمليات التجميل في دولة الإمارات، حيث تشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسبة عمليات التجميل في دولة الإمارات، وخاصة بين الفتيات في سن المراهقة وما فوق. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار ثقافة الجمال المثالي، وانعدام الثقة بالنفس لدى بعض الأشخاص.
أهمية اختيار الطبيب والمركز الطبي بعناية
على الرغم من أن دولة الإمارات تُعتبر مكاناً آمناً لإجراء عمليات التجميل، إلا أن ذلك لا يُعفي المريض من ضرورة اختيار الطبيب والمركز الطبي بعناية لتجنب المخاطر المحتملة. ويجب على المريض التأكد من أن الطبيب ذو خبرة وكفاءة، وأن المركز الطبي مرخص ومعتمد.
ضرورة الوعي بالمخاطر المحتملة
يجب على المريض أن يكون على دراية مسبقة بجميع المخاطر المحتملة التي قد تواجهه أثناء وبعد عمليات التجميل، وذلك لتجنب أي تأثيرات سلبية على صحته النفسية أو الجسدية.