عمليات التجميل: البحث عن الشباب الدائم والصحة النفسية
تحقيق: رنا صقر, ريتا أبي خليل، وغيث بلان
في غرف العمليات، بين مشارط الجراحة، وإبر (البوتوكس والفيلرز)، تارةً “تكبير” وتارةً “تصغير”، هذا ينفخ، وذاك يشفط، هنا مقص، وهناك مشرط، ومع كل “موعد” تضيع ملامح كثيرة.
هذا هو حال عمليات التجميل، التي انتشرت بكثرة، مؤخراً، في العالم ودولة الإمارات وإمارة دبي تحديداً. حيث أظهرت إحصائية صدرت عن هيئة الصحة في دبي سنة 2022، أن إجمالي عدد مراجعي عيادات العناية بالبشرة، في القطاع الخاص، بلغ 583 ألفاً و909 مراجعين، خلال العام الماضي، مقارنةً بـ223 ألفاً و507 مراجعين خلال عام 2020، بزيادةٍ كبيرةٍ بلغت 360 ألفاً و402 مراجعاً، ما يشير إلى زيادةٍ كبيرةٍ في عدد طالبي هذا النوع من الخدمات والعلاجات. وأفادت الدراسة أن الإناث استحوذن على نسبة 74.7% من إجمالي عدد المقبلين على عيادات ومراكز التجميل.
تقول الدكتورة سلاف إشتي، أخصائية التجميل والأمراض الجلدية في مركز “myfair” الطبي: “الإجراءات التجميلية باتت حاجةً ملحةً عند الفتيات، ولكن يتوجب على الطبيب أن يقول “stop” في بعض المواقف”.
أخصائية التجميل والأمراض الجلدية الدكتورة سلاف إشتي
هل يقتصر التجميل على من يعاني من عدم الثقة بالنفس؟
أكدت إشتي أن عدم الثقة بالنفس ليس بالضرورة هو السبب الملح، إنما التحسين من الشكل وحب الظهور بصورة جميلة دائماً هو ما تنساق خلفه الكثير من الفتيات.
أما بالنسبة لأسباب عدم رضا الفتيات عن مظهرهن وأجسادهن، تقول إشتي: “المجتمع والبيئة المحيطة هما لاعبان أساسيان في هذا المجال، وخاصةً مع انتشار مواقع التواصل الإجتماعي والتي بدورها تظهر المشاهير و”الفاشونيستاز” بأبهى صورة؛ لذلك يخسرن بعض الفتيات الثقة بالنفس.”
متى تكون عمليات التجميل حاجة ملحة؟
من وجهة نظر إشتي، يوجد أسباب كثيرة مرضية تدفع الفتيات لإجراء عمليات تجميلية ومنها الحالات المرضية كالترهلات والإصابات الجلدية التي تحدث بعد الحوادث أو الحروق والمعاناة من كثرة الحبوب على البشرة كحب الشباب أو الحبوب الدهنية. ولكن أيضاً الرغبة بتجديد الشباب والظهور بصورة أجمل هما من الأسباب الملحة لإجراء بعض العلاجات التجميلية.
في هذا السياق، تشارك مايا، ذات الثمانية عشر عاماً، قصة خضوعها لعمليات التجميل نتيجة تعرضها لحادثٍ مروريٍ أليمٍ: “الإصابات التي تلقيتها كان لها تأثير كبير ليس فقط على شكلي، إنما على ثقتي بنفسي وكيفية تفاعلي مع العالم الخارجي؛ أصبحت انطوائيةً، وشعرت بأن هويتي فقدت، وشكلي أصبح عبئاً عليّ وعلى من حولي.”
تؤكد مايا أن عمليات التجميل لا تقل أهمية عن باقي العمليات الجراحية، خاصةً في حالتها، وأضافت: “أجريت الكثير من عمليات الترميم في وجهي ومنطقة الصدر والرقبة، وبعد مرور أربع سنواتٍ على الحادث، أضطر إلى القيام ببعض الإجراءات التجميلية بشكل دوري، وذلك لأن ترميم بعض البقع المتضررة في جسدي يتطلب حقناً دائماً لبعض المواد مثل مادة “الهيالورونيك اسيد” التي تساعد على تجديد خلايا الجلد.”
الإجراءات التجميلية وعلاقتها بالصحة النفسية
تقول الدكتورة إشتي: “فعلاً يوجد علاقة بين صحة الفتاة النفسية والإجراءات التجميلية، حيث إن بعض الفتيات يظهرن قدرة أكبر على الاندماج في المجتمع وتحسن كبير في الإنتاجية حين يجرين بعض الإجراءات التجميلية. لكن يوجد حدٌ فاصلٌ بين الحاجة النفسية لهذه الإجراءات، وبين الإدمان عليها، وهنا يتوجب على الطبيب ألا يساير المراجعة ويقوم بكل ما تطلبه، بل من الضروري توضيح ما يمكن القيام به من إجراءات تجميلية، وما لا يمكن القيام به.”
وأضافت إشتي: “يجب مراعاة الحالة النفسية عند المراجعات قبل القيام بأي عمل أو إجراء تجميلي، لكن للأسف لا يزال هناك الكثير من الأطباء الذين يستعملون الطب التجميلي على أنه بطاقة تجارية بحتة، وهذه الفئة من الأطباء هي التي تشوه نظرة البعض لأطباء التجميل.”
“تحسنت حياتي بشكل كبير بعد عمليات التجميل التي أجريتها، وكأنني ولدت من جديد” هكذا وصفت لارا حالتها بعد خضوعها لعدّة عمليات تجميل منها قص المعدة، تجميل الأنف، والبوتوكس والفيلرز في الوجه.
شابة خضعت للتجميل: العمليات تحسّن الصحة النفسية
تقول لارا: “هناك فوائد نفسية واضحة للبعض من خلال تحسين المظهر الخارجي، كما هو الحال في تجربتي التي ساعدتني على زيادة الثقة بنفسي والرضا عن ذاتي؛ فالتصالح مع جسدي ومظهري الخارجي، ساعدني بأن أكون اجتماعيةً أكثر.”
وعن النظرة المجتمعية العامة للفتاة في العالم العربي، تؤكد لارا “مجتمعاتنا تضع الفتاة في إطار المظهر الخارجي، ومن وجهة نظري، من الذكاء أن تتعايش كل فتاة مع طبيعة مجتمعها.”
وقد أشارت إلى أن تجربتها مع عملية التجميل وتأثيرها على زيادة الثقة بالنفس، وتحسين التفاعلات الاجتماعية والمهنية تُعد مثالاً على التأثير الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه هذه التغييرات في حياة الفرد.
إدمان التجميل: متى تنقلب المعادلة؟
تقول الطبيبة رنا صقر، أخصائية الأمراض الجلدية في عيادة Va الطبية: “أصبح التجميل موضة في يومنا هذا، لكنه لا يجب أن يكون كذلك، إنما التجميل هو حاجة، وقد لا تكون حاجة ملحة، وتختلف المعايير من مريضة إلى أخرى.”
وعن الإفراط في عمليات التجميل حد الإدمان، تؤكد صقر: “مهنية الطبيب وحرصه على رسالته بممارسة مهمة إنسانية، يجب أن تكون الرادع الأقوى لأي فتاة تعاني من إدمان عمليات التجميل.”
أما عن أسباب التقليد الذي يلجأ إليه الكثير من الفتيات وخاصةً في سن مبكر، ترجح أخصائية التجميل والأمراض الجلدية الدكتورة سلاف إشتي “أن تكون الغيرة من نجاح بعض الأشخاص المؤثرين أو المشاهير، هو الدافع الأساسي وراء اتجاه الفتيات لفكرة التقليد.”
من وجهة نظر تريسي، الفتاة ذات ال29 عاماً، فإن “معايير الجمال تتغير من سنة إلى اخرى، وأحب دائماً أن أواكب “الموضة” في مظهري الخارجي، وأعتقد أن الإجراءات التجميلية هي قرارات فردية ويجب أن تحترم.”
تقول تريسي: “بالرغم من المضاعفات الصحية التي أواجهها بعد القيام بأي إجراء تجميلي، مثل الحساسية في الوجه والاحمرار لأكثر من سبعة أيام بعد عملية الأنف، وصعوبة في النوم في الفترة الأولى، إضافةً إلى التورمات في بعض المناطق من الوجه بعد حقن “البوتوكس والفيلرز”، إلا أن مشاعر السعادة والرضا تتغلب على أي شعور بالألم.”
الطب التجميلي رسالة إنسانية ومهنة أخلاقية
تشدد إشتي على ضرورة التفاهم بين الطبيب والمراجع، وأنه من الضروري ألا يؤثر اندفاع المراجع على قرار الطبيب المهني؛ وبذلك من الضروري جداً أن تكون الفتاة بحالة نفسية جيدة تسمح لها باتخاذ قرار سليم بشأن التغيير وليس بتوجيه معين أو ردة فعل سلبية، خاصةً أنَّ الشريك أو الزوج يؤثر في بعض الأحياة على قرارات الفتاة، ويفرض رأيه في أحيان كثيرة.”
بروباغندا التجميل
تقول إشتي: “مع الأسف، أصبح رأي الإعلام من أهم المؤثرين في مجال التجميل، بل وفي بعض الأحيان، يؤخذ رأي الإعلام أكثر من رأي الأطباء والمختصين.” وأضافت إشتي: “يظهر مؤخراً بعض المؤثرين على مواقع التواصل الإجتماعي أو منصات الإعلام ويروج لمنتجٍ على أنه الأفضل، وذلك لأسباب تجارية بحتة، وينساق وراءه الكثير من الفتيات اللواتي لا يدركن خطورة هذا النوع من الترويج، وهنا يأتي دور الجهات المسؤولة بالحد من انتشار مثل هذه الظواهر السلبية.”
وإضافة لما ذكرته إشتي، أكدت أخصائية الأمراض الجلدية الدكتورة صقر أن “السوشيال ميديا تلعب دوراً كبيراً في تشكيل نظرة المجتمع تجاه المظهر الخارجي، حيث يتم عرض صور مثالية ومعايير جمال معينة تدفع الكثيرين إلى اللجوء لأساليب كثيرة في سلك التجميل لتحقيق تلك المعايير.”
هل سيحظى العالم بشبابٍ دائمٍ؟
أوضحت إشتي أن الطب التجميلي يشهد قفزاتٍ نوعيةً، وأضافت “من أحدث وأهم التقنيات الجديدة في هذا المجال، تقنية “regenetate medicine” وهي تقنية تعمل على تحفيز الكولاجين والشحوم، والتسريع من عملية تجديد الخلايا الجلدية، وبذلك تصبح الخلية الجلدية قادرة على إنتاج مواد طبيعية، يحتاجها الجلد.”
وأضافت إشتي أن مستقبل التجميل متجه نحو تقنية “الخلايا الجذعية”، وهي خلايا غير متمايزة يمكن أن تتحول لخلايا متمايزة موجودة في الجسم، والتي ستشكل تحولاً جذرياً لمفهوم الشيخوخة في المستقبل.
من مراكز التجميل إلى المحاكم
وحول المسؤولية القانونية والأخلاقية لعيادات التجميل، تحدث الدكتور باسم الحلبي، أخصائي الجراحة التجميلية ورئيس عيادة “dr.b” أن “العيادات تتحمل كامل المسؤولية لأية أعراض جانبية قد تحدث بعد أي إجراء تجميلي ولو كان إجراءً بسيطاً جداً”، وأضاف “هنا يبرز الفرق بين العيادات والأطباء الموثوقين، والعيادات التجارية والربحية غير المرخصة.” وشدد على ضرورة المتابعة ما بعد العمل الجراحي أو الإجراء التجميلي، وتدبير ما قد يحدث بعد هذه الإجراءات.
الدكتور باسم الحلبي: يجب نشر الوعي حول عمليات التجميل
وتأكيداً على ضرورة اتباع القانون في دولة الإمارات بما يخص الطب التجميلي، يقول المحامي خالد طه من مكتب الدكتور أحمد الرمسي للمحاماة و الاستشارات القانونية: “المجال الصحي في الدولة مرتبط بالنظام العام، وبالتالي لا يمكن لأي شخص أن يمارس الأعمال الصحية والتجميلية بدون ترخيص. فتح المكان والممارسة، دون ترخيص معتمد من الدولة، كلاهما معاقب عليه. وعليه تكون المسؤولية الجزائية والمدنية ثابتتان ضد كل يخصص مكاناً لممارسة أعمال التجميل أو التطبيب بدون ترخيص. وإذا حصل ضرر للغير فالفاعل مسؤول عن ذلك الضرر أمام القانون.” وأضاف طه “أما الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمنتجات غير مرخصة فهو في حد ذاته ليس جريمةً، كما أن المحاسبة القانونية مسألة معقدة لأن المروج الأصلي للمنتج غالباً ما يكون خارج نطاق تطبيق القانون الوطني.”
تحديات وصعوبات مهنة الطب التجميلي
يقول الدكتور الحلبي: “إن دولة الإمارات تهيئ بيئة نموذجية لممارسة هذه المهنة وللتخفيف من الصعوبات أو العوائق التي قد تواجه الأطباء والمرضى، لكن دائماً، وفي كل مجال طبي، يحدث أن يواجه الطبيب بعض الصعوبات مثل قلة الوعي عند بعض المراجعات.”
ومن وجهة نظر إشتي، فإن “من أهم العوامل التي قد تساعد في نشر الوعي وتثقيف الناس حول الطب التجميلي هي المؤتمرات التي تشجع عليها دولة الإمارات بشكل كبير جداً”.
في المقابل، أعربت الدكتورة صقر عن استيائها بسبب انتشار المراكز غير المرخصة والأشخاص غير الموثوقين الذين يزاولون هذه المهنة: “أواجه في عيادتي الكثير من المشاكل والاختلاطات التي تحدث نتيجة نقص الخبرة وسوء التطبيق واستخدام مواد رخيصة وكثرة المواد غير المرخصة.”
وفي تقرير لوكالة أنباء الإمارات، وام، نشر عام 2017، حذرت وزارة الصحة ووقاية المجتمع من الممارسات غير المرخصة في مراكز التجميل، داعيةً المرضى والباحثين عن العلاجات التجميلية إلى مراجعة المنشآت الصحية الحكومية والخاصة المرخصة بالدولة للحصول على العلاجات الطبية الموثوقة.
وأشار الدكتور أمين حسين الأميري الوكيل المساعد لسياسة الصحة العامة والتراخيص بوزارة الصحة ووقاية المجتمع إلى وجود فريق مؤهل يقوم بجولات وحملات تفتيش بشكل مستمر على جميع المنشآت الطبية للتأكد من امتثالها للاشتراطات والضوابط.