عزيزتي أم تحسين

عزيزتي أم تحسين
أقرئكِ السلام يا رمز المُخيم الصامد. أخترت الكتابةَ لك لأنكِ وحدكِ من قد يعي حجم المعاناة التي تنهش روحي أكثر فأكثر كلما قصفت طائرات الأباتشي جنة غزة. يا أم تحسين إنا نعيشُ حسرة عظيمة في دهرٍ خاسر أجهل من الجاهلية بحد زمانها. إن مدى الخذلان المُخزي الذي يقبضُ عُنقي بشدة، يرهقني ويفتكُ كُل شيء، حتى أن المرايا نطقت تلعن أصحابها. بات الأمر كارثياً وصارت غزة مقبرةً شاسعة تتعطرُ بمسك الشهادة وتنبعُ بدمٍ عذبٍ معين. لقد تمزقت روحي وإني من أشهد الوقيعة عاجزاً. وحينما كنتُ أتوهم بعدالة أهل الأرض تذكرتكِ حينما قلتي
-
إن العدالة كُفنت ودُفنت مع هارون
وكنتِ صادقة بما نطقتي، لقد سقطت أقنعةُ الواقع وتعرى البشرُ من إنسانيتهم بقذارة حينما أُعلن استئناف مسار الجريمة البربرية على قطاع غزة. إن الأمر المطمئن الوحيد في كُل هذا أن عدالة السماء حتماً قادمة لا محال.
مخيم للفلسطينيين في لبنان
لطالما كُنتِ أم المُخيم وروحه الطيبة ومرجعهم التاريخي الأول، تجلسين عصراً وحتى مُنتصف الليل مرتكزة على حائط بيتك في الشارع تستوقفين المارة مباغتة إياهم بالسؤال
-
منين أنتِ؟
كُنتِ دومًا على علمٍ بالإجابة محاولة استدراجهم لفنجان قهوة يتزين بقصصكِ العذبة في ماضي طبريا، وحينما يقتلك الحنين تهرعين لتذكيرهم بمدنُ فلسطين من النهر البهي وإلى البحر العصي. وحينما سألتكِ عن دوافعكِ، اشتد غصبكُ في إجابة
-
دعني أقاوم بفنجان القهوة هذا ، دعني ازرع في نفوسهم حق العودة ، يا ولد قاوم ولو بإبرة
وها أنا قد التمست المعنى مؤخراً، والآن أعلنُ دخولي طقوس المقاومة النثرية والإسناد على الجبهة الفكرية. أقسمُ لكِ أني لم ولن أخذل ابناء شعبي، لن أتركهم وحدهم يتجرعون عذاب الموت.
جدة فلسطينية تكتب في دفتر
إن المفارقة في هذا كُله أنكِ قد غادرتي عالم الواقع وبتِ تعيشين تحت التراب. والحقيقة في هذا كُله أنكِ يا أم تحسين فكرة زرعها الصحفي خالد أبو الرز بذرةً في مقالاته وها هي الآن تحصد زيتوناً ثابتاً على أوراقي.
طابت ذكرِاكِ يا أم تحسين الغالية. وسلامٌ على الطيب، وحمى الله النقية التي لطالما وددت أخبرها بأنها تشبهُ فلسطين جمالاً ورونقاً.