رواية “سجين المرايا”: البحث عن السعادة وسط أعاصير الأحزان

رواية “سجين المرايا”، هي الرواية الأولى للكويتي سعود السنعوسي، والتي تُروى بصيغة الأنا من خلال تجسيده لشخصية عبد العزيز، الذي دارت هذه الرواية حوله. وهدف الكاتب هو التحليل النفسي لشخصية عبد العزيز، الذي توقف به الزمن عدة مرات، كلما فقد شخصاً مؤثراً في حياته، وجاءت في خمسة فصول ضمت ذكريات حفرت في ذاكرة عبد العزيز. وصدرت الرواية في بيروت عن “الدار العربية للعلوم ناشرون” وجاءت في 240 صفحة.
حاول عبد العزيز نقل تلك الذكريات إلى رسائل لكل أولئك الذين أثروا في حياته، ولكن لم تسعفه الظروف للبوح بمشاعره تجاههم مع مقدّمة كتبت نقلاً عن الطبيب النفسي لبطل الرواية “عبد العزيز” وصاحب فكرة كتابة الرسائل كنوع من العلاج النفسي.
بدأت الرواية تلفظ أنفاسها في الكويت تحديداً في صالة السينما، حيث الهاتف الخلوي الوردي اللون الذي ترك سهواً على أحد كراسي القاعة، والذي كان له الدور الأساسي في قلب موازين حياة عبد العزيز، ذي الواحد والعشرين عاماً. عبد العزيز غريب الأطوار، منغلق، منطوٍ على نفسه، كثير التشاؤم وفاقد للثقة، متزوج من اليتم الذي أنجب له ابنتيه: الوحدة والحزن. هو أيضاً يجهل سبل التعامل مع الجنس الآخر، ألف العيش في عالم خاص به خالٍ من البشر، بعد وفاة والده الذي كان له يد في موته، كما يقول في الحدود بين الكويت والسعودية أثناء فترة احتلال الكويت.
ثم بعد سبع سنين فقد عبد العزيز والدته بسبب تشخيص طبي خاطئ، وقد أوقف نموه مع هذه الفاجعة؛ فلا تزال الطفولة تشغل مساحات كبيرة في داخله. تعلقه الشديد بأمه كان واضحاً من رسائله، فدائماً ما يشير إليها.
استطاعت ريم صاحبة الهاتف الخلوي الوردي بصوتها الناعم غزو قلبه وأعادت تمسكه بالحياة مرة أخرى، ففي الفصل الأول والثاني كشف لنا عبد العزيز تفاصيل هذه العلاقة الغرامية واصفاً حبه بأعمق المعاني تتخلّله بعض الحوارات بالعامّية الكويتية التي دارت بينه وبين ريم.
ينتقل الكاتب في الفصل الثالث إلى بريطانيا حيث تبدأ رحلة عبد العزيز في البحث عن ريم والبحث من خلالها عن نفسه، بعد أن هجرته بسبب جموده في حبها، فغيّر كل عاداته واهتماماته، بداية من قراءة الأساطير اليونانية التي أدمنت ريم قراءتها إلى تعلم اللغة الإنجليزية في إحدى الكليات في بريطانيا، مقيماً في غرفة في منزل السيدة جاكلين صاحبة المنزل تطل على مساحات شاسعة من الأشجار والعصافير والألوان، وفي الغرفة المجاورة تقيم صديقته كاترين التي تعمل في أحد المقاهي.
كانا يسلكان نفس الطريق صباحاً عبد العزيز متجهاً إلى الكلية وكاترين إلى المقهى، ثم توطدت العلاقة بينهما وخرجا في رحلات داخل وخارج المنطقة وأبعدها كان إلى لندن، وفي اليوم الذي قرر فيه العودة إلى الكويت تلقى رسالة من ريم تخبره فيها أنها بانتظاره، وذلك بعد اتصال قام به ولكن لم يتفوه بكلمة، ثم أعقبها مكالمة عبرا فيها عن حنينهما وعتابهما.
في الفصل الخامس يعود بنا الكاتب إلى نقطة الانطلاق، حيث يرجع عبد العزيز إلى الكويت، ولكنه لم يكن يعلم أنها بداية اللعنة، حيث يكتشف كذب مريم التي زيفت اسم ريم وخيانتها له، فيعود إلى دوامة الحزن والوحدة مرة أخرى.
وفي في الفصل السادس يعرض الكاتب علاقة الصداقة بين الطبيب النفسي الدكتور غازي وعبد العزيز، فيكتشف القارىء المعالم الحقيقية لكل شخصية ارتبط بها عبد العزيز والمغزى من وجودها في الرواية، وكانت النهاية تلقي الدكتور غازي مغلفاً كبيراً يحتوي على الرسائل التي طلبها من عبد العزيز، وأبلغه فيها بأنه طبق مقولة طاغور التي تنص على :”إنّ من يحمل مصباحه وراء ظهره لا يرى غير ظله”، وأخيراً أضاء المكان من حوله وتخلص من الذين كانوا سبباً في معاناته وأنّ هناك ما يستحق الحياة.
المغزى من الرواية
تسليط الضوء على التحولات النفسية التي يمر بها الإنسان عند فقدانه لشخص متعلق به وتأثيرها على مجرى حياته وقراراته التي قد تؤثر عليه سلبياً أو إيجابياً. فرغم النهاية الحزينة للرواية، إلا أن السعي وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج، ولكن الحب لا يعني أن نصبح نسخة من الذين نحبهم، وموت أحدهم لا يعني نهاية العالم، فعلينا أن نبحث عن أي سبب للسعادة لنقاوم به أعاصير الأحزان.
ما أعجبني في الرواية
أكثر ما أعجبني في الرواية أنّ الكاتب دعم الرواية بقصص وأساطير أخرى، مما أضاف متعة إلى خط سير الأحداث؛ كحديثه عن الأسطورة اليونانية أورفيوس والقيتارة، بالإضافة إلى حديثه عن وطنه وتعريف القارئ بفترة الغزو العراقي لدولة الكويت والمعاناة التي عاشها الشعب خلال تلك الفترة. كما أعجبني اهتمام الكاتب بالوصف الخارجي لكل شخصية، مما يساعد القارئ على تكوين خلفية كاملة عن الشخصية في خياله.
ما لم يعجبني في الرواية
الحالة النفسية والدرامية المثقلة بأحزان لا نهاية لها التي كانت مسيطرة على قلم الكاتب، بالإضافة إلى المبالغة والإسهاب التي اعتمد عليها السنعوسي في وصف مدى حزن ومعاناة عبد العزيز وضعف شخصيته. أصابني ذلك بالملل فتجاوزت الكثير من السطور التي أفقدتني الانسجام مع الرواية، فعند قراءتي للمقدمة التي كتبت نقلاً عن الطبيب النفسي لبطل الرواية “عبد العزيز”، ثارت في ذهني تساؤلات عن كم الحروب النفسية التي خاضها عبد العزيز وانهزم فيها، والظروف التي أدت إلى استعانته بطبيب نفسي، فما وجدت إلا أن معظم الرواية اعترافات مراهقة وغراميات مملة، ولكن يشفع للسنعوسي أنّ “سجين المرايا” أول عمل له فكان متحمساً ليُخرج كل ما في جعبته من أدوات تعبيرية، رغم تأثيرها السلبي على هذه الرواية إلا أنني أحترم التطور الملحوظ والنضوج الأدبي الواضح في أسلوبه وأفكاره والفرق بين روايته الأولى والروايات التي تلت هذه الرواية.