رمضان يجمعنا من منازلنا

مع اقتراب شهر رمضان الفضيل، الذي سيواكب القوانين الصارمة بشأن الحجر الصحي والبقاء في المنزل، تحوم التساؤلات حول ما تبقّى من طقوس هذا الشهر الفضيل.
شهر رمضان له نكهاته الروحانية، تجتمع تحت هلال الطقوس الدينية والتآلف الاجتماعي. فمعظم طقوس شهر رمضان جماعية، تشمل صلاة التراويح بجماعة، توزيع وجبات الإفطار والسحور على الفقراء والمحتاجين، وارتياد المساجد بشكل مستمر.
في مقابلة خاصة مع أستاذ الدراسات الإسلامية محمد العابد، شرح أنّ التغيّر في مظاهر التعبّد الجماعي ستتأثّر بشكلٍ حتمي بما أنّ الصلاة أصبحت فردية، إجراءات التبرّع أو الزكاة ستتم من خلال الوسائط الإلكترونية، وخطبة صلاة التراويح ستُسمع من وراء جدران المنازل. “لكنّ شهر رمضان يعتبر فترة تأمل وتعبّد، لذلك سيؤدي هذا الحجر إلى الروحانية التامّة بعيداً عن الملهيات.”
أمّا بالنسبة للعادات والممارسات الحياتية واليومية، رمضان أساساً يرمز إلى التجمعات، من خلال دفء التعايش والروابط الأسرية والاجتماعية على عزائم الإفطار، تجمّعات الشباب حول لعب الورق، وجلسات فناجين القهوة والشاي حتّى ينكسر ظلام اللّيل بسفرة السحور. لكنّ، هذه الممارسات لن تعود لسابق عهدها، طالما أُمر الجميع بالبقاء في المنزل.
ترى الوالدة والجدة نبيلة بيضون، أنّ رمضان هو الشهر الوحيد الذي يجمعها مع أولادها المنهمكين بحياتهم الخاصة: “أحب منظر أولادي وأحفادي وهم متجمّعون حول صينية طبق القطايف أو الكنافة النابلسية، بعدما كسروا صيامهم معي ومع جدّهم.”
هذه الوجدانية النابضة لطالما جمعت الكل تحت سقف الرأفة والتسامح والتعايش، لكن الدين الإسلامي ليس الدين الوحيد الذي سيعيش شهراً مباركاً بطقوسه غير المكتملة.
احتفل المسيحيون بعيد الفصح في منازلهم، دون الذهاب إلى الكنيسة، دون المسيرات، أو حتّى الاحتفال به مع الأقارب والأصدقاء. وبالرغم من عدم ارتياد الكنيسة، فتح، باب التكنولوجيا، فرصة لمواكبة القدّاس، عبر شاشات البث المباشر.
ويرى البعض أنّ فرحة العيد، غير مكتملة، دون تجمّع الأقارب على مائدة الغداء، وبالأخص خلال الظروف الاجتماعية والصحية الصعبة. أمّا بالنسبة لإلي فرج، فقد حافظت عائلته على إتمام فرحة العيد بكامل هيئتها، لاكتساب القيمة الروحانية، والاحتفال بأطفال العائلة، بعيداً عن أخبار فيروس كورونا. وشرح في مقابلة هاتفية: “أنا وعائلتي حضرنا القدّاس على التلفاز، تناولنا الغداء، كسرنا البيض الملوّن، واجتمعنا وراء شاشة برنامج المكالمة بالفيديو وتواصلنا مع الأقرباء والرفاق في لبنان.”
شرح العابد أخيراً أنّه بالرغم من امتناعنا عن التجوّل والتجمّع، الجَمعة موجودة سواء كانت في أهل البيت، أو عبر وسائل الاتصال. وأضاف أنّه ستختلف وضعية ورمزية الجماعة في هذا الوقت، لكن على المرء استغلال هذا الوقت لتقوية الروابط الأسرية. “كلّنا في منازلنا، وكأنّنا في مركبٍ واحدٍ، لنُفعّل نقاط القوة، ونعالج نقاط الضعف”.
تحرير: أسماء فودة