رجل اللا مستحيل تحت الضوء

 رجل اللا مستحيل تحت الضوء


بقلم: دانا أبولبن

شخصية فذّة, غنية عن التعريف على نطاق الجامعة الأمريكية في دبي و المجتمع بشكلٍ عام. أوجد في نفسه شغفا و وضع نصب عينيه هدفًا فمشى نحوه بخطى ثابتة, نجح و ثابر و تفوق و كافح و أسس أول جامعة أمريكية في منطقة الخليج. نراه متنقلا بين أروقة الجامعة, يتابع سير شؤونها و يطمئن على الطلبة و الأساتذة, ليتوجه بعدها إلى مكتبه و يتابع أشغاله. ممكن أن نعتقد أنّنا نعرف بعمق هذه الشخصيّة الّتي لطالما أثّرت بمحيطها و تركت بصمة في النفوس، إلاّ أنّ حياته تحمل أسرارًا و جوانبًا قد لا يعرفها الكثير منّا. فكيف بدأ مشوراه و كيف تحول حلمه إلى واقع نعيشه اليوم كطلاب و أساتذة ؟ من هو بعيدا عن صخب الحرم الجامعي؟ ما هو الوجه الآخر لنائب رئيس الجامعة الأمريكية في دبي, الأستاذ الياس بوصعب.

نحن نعرف الأستاذ الياس بو صعب نائب رئيس الجامعة و رجل الأعمال المهم, ما هو الجانب الآخر من شخصيتك الذي لم نراه بعد كطلاب و أساتذة و جزء من نسيج الجامعة؟


‫هناك عدة وجوه منها الوجه العائلي و الاجتماعي مع الأصدقاء أو الشأن العام. فأنا بالإضافة إلى موقعي هنا في الجامعة, قد استلمت مؤخرا منصب رئيس بلدية المنطقة التي أنتمي إليها و هي ضهور الشوير في جبل لبنان. بطبعي متعلق للغاية ببلدتي التي انطلقت منها إلى العالم و شديد الانتماء إلى مجتمعي و بيئتي التي ترعرعت فيها , فمهما سافرت و تغربت يظل بداخلي حنين عميق إلى ربوع هذه البلدة بتفاصيلها و ضغائر الأمور فيها. إنطلاقًا من هذا المبدأ ترشحت لرئاسة البلدية بعد أن شعرت أني في موقع قرار و قادر على التغيير و مساعدة أهل البلدة للارتقاء بوضعهم الاجتماعي و الاقتصادي. و من جانب آخر أشعر دائما بضعف تجاه أي محتاج و برغبة عميقة في مساعدته لأقصى حدود. هذا المبدأ أساسي في حياتي و أحرص أيضا على غرسه في أولادي.

 

كيف تشكلت لديك فكرة تأسيس الجامعة الأمريكية بدبي, و كيف تمكنت من إنجاحها؟


لقد أتممت دراستي الجامعية في الجامعة الأمريكية في لندن, و خلال تلك الفترة ترشحت لرئاسة اتحاد الطلبة على دورتين متتاليتين، ما وطّد العلاقة بيني و بين رئيس مجلس الجامعة الذي طلب مني أن أعمل وأكون جزء من الهيئة الإداريّة في الجامعة بعد التخرج. قابلت الأمر بالرفض في بادئ الأمر وذلك لرغبتي في متابعة الدراسات العليا. إلا أنه ما لبث أن قدم لي منصبا و عرضا مغريا لخريج جديد لا يزال يشق طريق حياته, ألا و هو مدير الشؤون الخارجية في الجامعة و براتب يتجاوز خمسة أضعاف ما كان يدخّله زملائي ممن توظفوا في البنوك العالمية. و في خلال فترة عملي وقع الغزو العراقي على الكويت عام 1990 و بعد انتهاء الحرب كنت جزءا من وفد خرج في جولة على دول الخليج للتواصل مع وزارات التعليم و إعادة استقبال الطلبة الخليجيين في أمريكية لندن. في خلال زيارتي لاحظت أن منطقة الخليج بحاجة لمؤسسات تعليمية و جامعات أمريكية و خاصة, إذ كانت تعاني نقصا حادا في تلك الفترة , و تبلورت لدي فكرة تأسيس هذه الجامعة و ارتأيت بأن إمارة دبي كانت هي الأنسب آن ذاك كمقر لهذه الجامعة. بدأت بالعمل على تطبيق فكرتي بدعم و توجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم و ها هي قد أبصرت النور و أضحت كما ترينها الآن.‬


لو لم يكن الأستاذ الياس بو صعب رئيسا للجامعة, فماذا كان يطمح أن يكون؟


(يقول مبتسما): أنا أحب المحاماة و أحب دور المحامي الذي هو شخص يعمل كوسيط بين طرفين متنازعين ليصل إلى حل يرضي جميع الأطراف.


كرجل أعمال دائم الانشغال, ما هي الهوايات التي تحب ممارستها كلما تسنت لك فرصة الاستجمام بعيدا عن صخب العمل و ضغوطه؟

من وقت لآخر أخلق لنفسي عطلة و لو لبضع ساعات أبتعد فيها تماما عن جو العمل و الانشغالات لأحظى بهدوء نفسي و عقلي يمكّنني من متابعة العمل لاحقا. و من الهوايات التي أحب ممارستها: التزلج, لعب الجولف و ركوب الخيل.


سمعنا أيضا أنك من هواة التصوير, ما مدى صحة ذلك؟

( يقول ضاحكا): نعم, هذا صحيح. أحب التصوير بصفة عامة و خاصة الآن مع الهواتف الذكية فإنّ هاتفي النقال يحوي آلاف الصور التي ألتقطها خلال مشاهداتي اليومية. أصور أي منظر يستهويني سواء أكان مناظر طبيعية, أصدقاء, أي شيء تقع عليه عيني و أشعر برغبة في التقاط صورة له. و قد مررت بموقف طريف فيما يتعلق بهذه الهواية, حيث كنت و أحد أصدقائي من الوزراء في مؤتمر بأحد المدن و كنا متوجهين بالسيارة إلى الفندق. أذكر بأن السيارة التي استقليناها كانت غريبة بعض الشيء و ملفتة للنظر, فسارعت بالتقاط صورة لها و للوحة الرقم الخلفية لها. و بعد دخولنا للفندق اكتشف صديقي بأنه نسي محفظته الشخصية بداخل السيارة فاتصلنا بالشرطة و بالطبع استخدمنا الصور التي التقطتها للسيارة و رقمها لتحديد موقعها و استرجاع المحفظة. لربما كانت هذه محض صدفة, إلا أن شغفي بالتصوير كان مخرجا من مأزق تعرض له صديقي.

     أنت متزوج من الفنانة جوليا بطرس, فهل تشاركها أيضا حبها للموسيقى و ولعها بها؟

علاقتي بجوليا تتألف من جانبين: فهي من ناحية زوجتي و حبيبتي, و من ناحية أخرى أنا لست فقط أشاركها ولعها بالموسيقى بل إني من أشد المعجبين بفنها و شخصيتها و أعمالها و احترامها لذاتها و لفنها و معجبيها و هذا أمر نادر الوجود في الساحة الفنية اليوم.

إن كانت السيدة جوليا توصل رسالتها التي تؤمن بها من خلال فنها, فكيف يوصل الياس بو صعب رسالته؟

إن كل عمل أقوم به يوصل رسالة بحد ذاته. فمثلا, فترة رئاستي لبلدية ضهور شوير تخللها الكثير من الأعمال و الإصلاحات التي كنت قد وعدت بتقديمها من خلال برنامجي الانتخابي. مثل هذه الأعمال تتحدث عن نفسها و لست بحاجة للحديث عنها. و تصل رسالتي أيضا من خلال الأشخاص الذين أساعدهم أو أتعامل معهم. أنا لا أحب الإسهاب كثيرا في الحديث عن أعمالي لأن الأعمال تحكي و ليست بحاجة لتعقيب و إشارة.

ما هي أغنيتك المفضلة للسيدة جوليا بطرس؟

في كل مرة تطلق فيها جوليا ألبوما غنائيا جديدا تصبح إحدى أغانيه هي المفضلة لدي. مؤخرا و في ألبومها الجديد هناك أغنية اسمها “وطني” تحكي عن الإنسان الذي يعيش بوطنه و يشعر بغربة بسبب تفكك المجتمع و الطائفية التي عصفت بأفراده فيشعر الفرد منهم بأنه غريب في وطنه. إنها المفضلة لدي في الوقت الحاضر.

 

 

كرجل أعمال و صاحب قرار في موقع قوة قادر على التغيير أحسن استغلال قدرته, بم تنصح من هم في مواضع قرار و مسؤولية؟ و كيف يمكنهم من خلال مواقعهم العمل على إيصال رسالة للمجتمع و خدمة قضاياه؟

نا أرى أن قوة الإنسان تنبع من مصداقيته و محبة الناس له. قد يمتلك شخص ما قوة هائلة و يخسرها فجأة إلى غير رجعة. لذلك يجب على الإنسان أن يتحلى ببعد النظر و يفكر دائما بالآتي. يجب أن يعمل صاحب القوة أو المنصب ليس فقط للحفاظ على هذه القوة, بل يجب أن يضع بحساباته يوم قد يخسر فيه كل القوة الممنوحة له و يتخيّل كيف ستكون نظرة الناس له حينها؟ و الأمثلة على ذلك كثيرة في يومنا هذا و منها الزعماء العرب الذين سقطوا و لم يتركوا لدى الناس أي احترام أو محبة لهم, فهم لم يحسبوا حساب يوم يجردون فيه من مناصبهم.

 

نلاحظ بأن مكتبك مليء بالصور المأخوذة لك مع شخصيات هامة و مشاهير من مختلف المجالات السياسية و الفنية و الاجتماعية. ماذا يضيف لك التقائك بمثل هذه الشخصيات الشهيرة؟

في بادىء الأمر يسعد الإنسان لالتقائه بشخصيات كبيرة, إلا أنها لا تلبث أن تصبح مجرد رقم. فهم في نهاية الأمر أشخاص عاديون. و بعد التعرف عليهم يصبح بمقدروه أن يحكم على شخصياتهم: هل هم متواضعون أو متعالون و ما إلى ذلك, فيتعلم منهم و يستطيع من خلال نظرته لهم أن يخمن كيف ينظر الناس له هو. و يكتسب الإنسان خبرة و تغنى تجربته بالحياة و يتمكن من تصحيح مساره إن كان خاطئا.

هل فكرت في يوم من الأيام أن تكون صحفيا؟

أنا أحب الصحافة و لدي شغف كبير للإعلام, حتى أنني أمتلك محطة راديو في لبنان اسمها “صوت المدى”. و أحب الكتابة كذلك حتى أنه كان لي كتابات نشرت في عدد من الجرائد. و لو كان موقعي يسمح لي لكنت تابعت الكتابة بشكلٍ متواصل و أوصلت صوتي بمختلف القضايا.

 

 

في ظل إعلام عربي مسيس ذات مصداقية مشكوكة مساحةحرية ضيقة, ما هي برأيك مساحة الحرية التي يجب أن تكون موفرة لنا كطلاب إعلام و أين هي حدودها؟

يجب على الإعلامي أن يكون مدركا لمضمون الحرية المتاحة له. فهو يمتلك كل الحرية, إلا أنها تقف عند حدود التشهير بالآخرين بدون وجه حق. للأسف فإن مفهوم الحرية خاطئ في العديد من الدول العربية, مثل لبنان على سبيل المثال. هناك مقالة مشهورة لرئيس الحكومة اللبناني السابق سليم الحص يقول فيها ” يوجد لدينا في لبنان الكثير من الحرية و القليل من الديموقراطية”. الديموقراطية أهم من الحرية لأنها مصحوبة بالمسؤولية و عدم الكذب أو التشهير بالآخرين دون وجه حق. و نحن عندما ناقشنا المنهج الخاص بطلاب كلية محمد بن راشد للإعلام كانت أخلاقيات المهنة من أهم الأمور التي نرغب في تعليمها للطلاب لكي يصبح الطالب صحفي و مسؤول و ليس بحاجة لتوجيهات أو تنبيهات بل هو بنفسه يصنع حدوده و يلتزم بها. أتمنى من طلابنا بعد التخرج أن يقولوا الحقيقة دائما و يعطوا وجهة نظرهم و لكن بأخلاقيات و مهنية و احترام للآخر.

ما الذي تطمح بأن تقدمه كلية محمد بن راشد للساحة الإعلامية ؟

أنا عندي ثقة بأني سأرى طلاب كلية محمد بن راشد للإعلام روادا للإعلام في العالم العربي يوما ما. فإن الطريقة التي يتم بها تدريسهم و المناهج التي كتبت خصيصا لهم و الأفكار و المقترحات التي تقدم لهم من قبل إدارة الكلية و المجلس الاستشاري الخاص بها بالإضافة إلى كل ما وفر لهم من منح و أدوات و غيرها بدعم من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كلها اجتمعت لتعد بجيل سيؤثر على مجرى الإعلام في الوطن العربي.

لو تخيلنا بأن الجامعة الأمريكية في دبي هي بلد و التخصصات المختلفة فيها هي مدن, فما هو التخصص الذي يستحق أن يكون عاصمة لهذا البلد و منبرا لها؟

( يصمت قليلا) لننظر إلى الموضوع على أنه مجموعة من الولايات الناجحة, فالإعلام أحد أهمها, الهندسة كذلك و إدارة الأعمال و ما إلى هنالك. إلا أني أعتقد بأن كلية محمد بن راشد للإعلام, و على الرغم من كونها أحدث كليات الجامعة, سوف تكون من أشهر الكليات في الجامعة.

بم تنصحني كطالبة صحافة سوف أتخرج قريبا و أخرج إلى العالم لأبحث عن مكان لي في مجال الإعلام؟

أولا يجب أن تكوني طموحة, و يجب أن ترسمي لك أهدافا و تسعي لتحقيقها و ألا تستسلمي و تكوني اتكالية على الآخرين. يجب أن تصري و تثابري لتحققي طموحك. إلا أنك إن توقفتي عن العمل و المثابرة و الإصرار لن تحققي شيئا.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM