رؤية فحقيقة

بدأت الحكاية منذ 40 عاماً و في الثاني من ديسمبر عام 1971. مجموعة من الإمارات التي تربطها العروبة, الجيرة, المصالح المشتركة, التاريخ, الدين، العادات والتقاليد, رأت في وحدتها و تآلفها منطقا و قوة. تفاوضوا، تناقشوا و تبادلوا الآراء والأحكام إلى أن أفضت اجتماعاتهم و جهودهم إلى قرار حكيم يشعر بحكمته كل من يعيش على هذه الأرض الطيبة: أرض الإمارات العربية المتحدة. نعم, اتحدت إمارات ست في هذا اليوم التاريخي: أبوظبي, دبي, الشارقة, عجمان, أم القيوين و الفجيرة, و من ثم ما لبثت الإماراة السابعة_رأس الخيمة_ أن تبعتها بعد عام من قيام الاتحاد.

بدأت الحكاية من رؤية حكيمة للمغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ما رآه الناس مستحيلا, رأى فيه هذا العظيم أملا, ما رؤوه ضرب جنون رآه واقعا يتجلى أمام عينيه, ما رؤوه بعيدا و محالا رأى فيه فرصة لا تتكرر. فكّر و خطّط و وصل طموحه حدود السماء, فما أخطأته يوما حكمته و نظره الثاقب. وضع نصب عينيه هدفا و سعى و كافح من أجله و تجاوز الصعاب حتى تحقق مناه باتحاد الإمارات السبع. فقد آمن هذا الرجل العظيم بحكمة قد نكون سمعناها و نسمعها كثيرا “إن في الاتحاد قوة و في الفرقة ضعف”. لا, ليست معادلة سياسية صعبة الفهم أو تحتاج منا لكثير من التفكير و التمحيص، بل سهلة إلى درجة أنّها لا تحتاج إلاّ أن نؤمن بها كامل الإيمان و نسلمها عهدة أوطاننا.

فما قدّر العلماء و الخبراء إنجازه بعشرات السنين, أًنجز في ظل الاتحاد خلال بضعة سنوات فتحولت هذه الصحراء العربية الأصيلة إلى جنة خضراء منتعشة مليئة بالحياة. البترول لا يصنع الحياة, بل الإنسان بإرادته و طموحه و إصراره يصنعاها. لذلك حرص زايد على أن يبني الإنسان قبل العمران في هذه الدولة، فاهتم بالطفل و الرجل و المرأة و أدرك أن النجاح يتطلب النهوض بالإنسان أولا و مشاركة كافة أفراد المجتمع في التطوير و البناء.

يشهد الثاني من ديسمبر من كل عام على أن الوحدة تصنع المعجزات. فمن كان يتوقع أن أرضا صحراوية ستصبح في أقل من ربع قرن مقصدا للسياح و رجال الأعمال من كل أرجاء العالم لتنافس الدول الأوروبية و الأجنبية و تصبح مثلا يحتذى به لكل الدول العربية؟ من كان يعتقد أن أرض الرمال سوف تحوي أعلى أبراج العالم؟

من كان يعتقد أن مدينة دبي التي لم يستغرق إعمارها سوى بضعة سنوات سوف تتصدر الوجهات التسوقية في العالم و تضم أكبر مركز تجاري في العالم؟ من كان يعتقد أن هذه الصحراء ستصبح وجهة يتهافت المشاهير و رجال الأعمال من حول العالم إلى تملّك العقارات فيها؟ الإجابة هي و كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشدآل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء وولي العهد و حاكم إمارة دبي الحالي: “لا مكان لكلمة مستحيل في قاموس القيادة، ومهما كانت الصعوبات كبيرة، فإن الإيمان والعزيمة والإصرار كفيلة بالتغلب عليها.” !!

لا يحتفل باليوم الوطني الإماراتيون فحسب, بل كل من ترعرع على أرض الإمارات الخيّرة ومن ينعم بخيراتها ويعيش بحماية حكّامها العظام. فالاتحاد لم يجمع قلوب الإماراتيين على حبه فحسب, بل جمع قلوب كل من عاش في ظله. فلا عجب أن نسمع الكثير من المقيمين على أرض الدولة يردّدون بأنهم يشعرون بالانتماء لأرضها أكثر من بلادهم الأصلية, و يحتفلون بعيدها الوطني ببهجة أكبر بكثير من بهجتهم عند مرور ذكرى استقلال بلادهم. فقد وجد المقيمون في دولة الإمارات العربية المتحدة الأمن و الأمان و الأمل بمستقبل واعد مليء بالفرص, فرص لربما يفتقدون لها في أوطانهم.

فكيف لا يفخر الإماراتيون بوطنهم و هم صنعوا بأيديهم مجده و وضعوا أسس بناءه المتين محسنين اختيار أحجاره لتكون حصنًا منيعًا أمام كلّ الأزمات والعواصف القاسية .. و قد قال المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: “نحن مشهورٌ عنّا أننا وحدويّون لأن إيماني بهذا المفهوم عميق الجذور. إننا نرى في الوحدة الّتي يجب أن تقوم بين دول المنطقة، أن تكون وحدة بين شعوب المنطقة لا بين حكّامها، لأن الشعوب أخلد وأبقى. إنّنا نؤمن إيمانًا مطلقًا بأهميّة الوحدة بين دول المنطقة كأساس للوحدة العربية الشاملة. ” لا شكّ أن الرؤية كانت حاذقة وأنّ الحلم أصبح حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها، على أمل أن تزهو هذه الدولة بالمزيد من الاستراتيجيات، الإنجازات والمشاريع المتميّزة. .”

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM