دموع على سفوح المجد: طموح وخيبة أمل!

قد لا تتشجّع عندما يقترح عليك أحدهم قراءة رواية كُتبت في عام 1984، خصوصاً وأنك لم تكن موجوداً في هذا الكوكب وقتها. رغم ذلك، هناك روايات يبقى بريقها ساطعاً حتى بعد مرور زمن طويل على كتابتها، وإحدى هذه الروايات هي رواية “دموع على سفوح المجد” للدكتور عماد زكي.
يبدأ زكي روايته بالقول: “لوحة حزينة من صميم الحياة، التقطت أحداثها من بحر النسيان، فحملتها إلى شطآن الذاكرة، فجففتها بمدادي وغلفتها بكلماتي، بعد أن أعدتُ إليها بعض معالمها الضائعة، وعمقتُ فيها بعض الخطوط والألوان، ثم وضعتها في متحف الأيام، عبرة بالغة لمن أراد الإعتبار”.
كما يوحي عنوان الرواية، وكما توحي المقدمة، “دموع على سفوح المجد” هي قصة ذلك الطموح الذي يستمر بالنمو للوصول إلى المجد، ولتحقيق الحلم، ورغم أنه يجتاز معوقات عديدة إلا أنه يصل إلى مرحلة أخيرة يتحطّم عندها.
عصام، بطل الرواية، هو شاب طموح جداً يدرس الطب. فقدَ عصام والده بعد أن غيّبه الموت لتقوم والدته بتربيته. عصام شاب ملتزم دينياً وأخلاقياً بالإضافة لتفوقه الدراسي، مما جعل تأقلمه مع غالبية زملائه الطلاب صعباً. مدرّسي عصام في الجامعة يكنّون له التقدير والإحترام نظراً لاجتهاده، وهذا ما جعل الدكتور إياد يعرض عليه إكمال الدراسة وتحديداً لإيجاد علاج لمرض السرطان تحت إشرافه وتدريبه.
وعلى النقيض من عصام تماماً، نرى هناك شخصيات كثيرة غير مهتمّة بالدراسة وغير ملتزمة أخلاقياً. هذه الشخصيات تفتقد للطموح الذي يميّز عصام، ويربط زكي هذه الفكرة بتراجع العرب علمياً وفكرياً وأخلاقياً. من خلال الرواية يستعرض زكي مشكلات المجتمع ما يجعل الرواية مرآة عاكسة للمجتمع. فعلى سبيل المثال هناك صفوان، الشاب الثري والمهمل. صفوان يشتهر بمغامراته العاطفية معتمداً على جاذبيته ونفوذ والده لإخراجه من المشاكل التي يقع فيها بإستمرار كحيازة المخدرات وتعاطيها. صفوان يغار كثيراً من عصام لأن مميزاته تذكره دائماً بالعيوب في شخصيته.
تتميّز الرواية بالأسلوب السلس في الكتابة ما يجعل القارىء يستوعب الأفكار بسهولة. ترابط الأحداث يزيد من التشويق في الرواية ويحثّ القارئ على إنهاء القراءة سريعاً لمعرفة ما سيحصل لاحقاً. هذا التشويق يجعل القارىء ينسى تماماً عنوان الرواية ويزيد من طموحه كلما تطورت الأحداث قبل أن يصل لنهاية غير متوقعة أبداً تاركة إيّاه في حالة صدمة.
الرواية، وعلى الرغم من كتابتها في منتصف الثمانينات كما ذكرنا، إلا أنها تجعل القارىء يظن أنها كتبت قبل سنوات قليلة فقط لإرتباطها بالواقع. ملامستها لهموم ومشاكل مجتمعاتنا العربية يجعلها قريبة من قلب كلّ عربيّ .
ولعل الرسالة التي بإمكاننا إستخلاصها من الرواية هي أهمية وجود الدعم والتحفيز، بدايةً من والدة عصام التي مثّلت النبع الذي لاينضب في تشجيعه لتحقيق أحلامه، والوقوف خلفه طوال الوقت، وتعويض الفراغ الذي خلفه موت والده. الدكتور إياد يمثل الدعم للمواهب كعصام.. وربما الأهم من ذلك كله هو الجد والإجتهاد والطموح الذي تمتع به عصام للسعي وراء هدف عالي جداً، وإحساسه بالدور المهم والفعال الذي بإمكانه إحداثه إذا ما أحسن إستخدام القدرات التي وهبه الله إيّاها وإمكانيّة تسخيرها في خدمة المجتمع، بل والبشرية أجمع.
Please follow and like us: