حوار مع صديقي المُلحد

نبذة عن الكاتب:
وُلد الطبيب والأديب مصطفى محمود عام ١٩٢١ في مصر، تحديداً في محافظة المنوفية. عاش يتيم الأب، ودرس الطب ثم تخصّص في الأمراض الصدرية، لكنه بعد ذلك تفرغ للكتابة والبحث العلمي معاً.
عام ١٩٦١، لم ينجح الزواج الأول لمصطفى محمود، إذ تزوج مرة آخرى ليرزق بولدين هما “أدهم” و”أمل” لينتهي بالطلاق.
ألف محمود ٨٩ كتاباً تضمنت الكتب العلمية والفلسفية والدينية والاجتماعية والسياسية، ناهيك عن المسرحيات وقصص الرحلات التي قام بتأليفها.
على مدار ٢٨ سنة في التلفزيون المصري، قدّم خلالها أكثر من ٤٠٠ حلقة من برنامجه التلفزيوني “العلم والإيمان” الذي تناول مواضيع علمية وناقشها على أسس إيمانية.
كما أنشأ عام ١٩٧٩ مسجده في القاهرة المعروف باسم “مسجد مصطفى محمود”. كما يتبع له ثلاثة مراكز طبية لمعالجة ذوي الدخل المحدود. عام ٢٠٠٣، أعلن مصطفى محمود اعتزاله الكتابة، وانقطع عن الناس حتى أصابته جلطة، فأصبح يعيش وحيداً. تُوفي عن عمرٍ ناهز ٨٧ عاماً، وذلك في ٣١ تشرين الأول عام ٢٠٠٩.

ملخص كتاب “حوار مع صديقي المُلحد”
“لم يلد ولم يولد”، “إن كان الله قدّرعلي أفعالي فلماذا يُحاسبني؟”، “لماذا خلق الله الشر؟”، “وما ذنب الذي لن يصله القرآن؟”، “الجنة والنار”، “حكاية الإسلام مع المرأة”، “هل الدين أفيون؟”، “ما الروح؟”، ” ما الضمير؟”، “هل مناسك الحج وثنية؟”، “لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد؟”، “القرآن لا يمكن أن يكون مؤلَفاً”، “شكوك”، “موقف الدين من التطور”، “كلمة لا إله إلا الله”، “كهيعص”، “المعجزة”، “معنى الدين”، “فزنا بسعادة الدنيا وفزتم بالأوهام”.
كل هذه التساؤلات الثمانية عشر تعرض في كتابٍ واحد، حيث يدور حوار بين مؤمن ومُلحد، فيستهل الكاتب المقدمة بالحديث عن قانون السببيّة الذي ينص على أن لكل صنعة صانعاً. فيتساءل الملحد كيف أنّ الله موجود وليس له موجد، ليرد الكاتب بإجابة فلسفية شارحاً أنه لا يمكن خضوع الخالق لقوانين خلقه. والمُلحد الذي درس في فرنسا وحصل على الدكتوراة وعاش مع الهيبز وبات ينكر كل شيء، تساءل عما إذا كان الإنسان مخيّراً أو مسيّراً. فلماذا يُحاسب الإنسان على أفعالٍ قدرها الله له؟ ليتطرق الكاتب للحديث عن الحرية التي منحها الله للإنسان ومن خلالها يُحاسب.
ويتابع المُلحد طرح تساؤلاته، طالباً إجابة عن السوآل التالي، لماذا خلق الله الشر؛ ليرد الآخر بشرح فكرة أنّ الخير هو الفطرة والشر هو خلل الفطرة.
ولاستكمال الحوار الذي جرى بطريقة فلسفية وعلمية باعتبار الكاتب فيلسوفاً وطبيباً بحث وقرأ وجال الدنيا بحثاً عن الخالق حتى استطاع أن يجده، يوضح للملحد تساؤلاته عن ذنب الذي لم يصله قرآن، بالاستناد إلى الآية ٣٦ من سورة النحل: “ولقد بعثنا في كل أمة رسولا”.
وفي الفصل التالي، يدور نقاش بين الطرفين بينهما حول الجنة والنار، ليقترح المُلحد فكرة لطالما خطرت على باله، كيف يعذبنا الله وهو الغفور الرحيم؟ ثم يدخل الكافر النار ويخلّد فيها إلى أبد الآبدين. ليعتبر المؤمن أنّ الخالق نفخ في كلٍ منا روحه، ونحن البشر فينا من روح الله، وهو الأعلم في شأن عباده.
وهل الدين أفيون؟ يطرح المُلحد السؤال هذا على صديقه المؤمن الذي اعتبر أنّ الدين شبيه بالأفيون، حيث يَعد الفقراء بالحياة الأبدية في الجنة ليتأقلموا مع فقرهم في الحياة على أساس أنّ الناس درجات. ليوضح المؤمن أنّ الدين ألزم الأغنياء بدفع الزكاء للفقراء، مشيراً إلى أنّ الدين يتكامل مع الطبقات كافة.
ولم يكتفِ المُلحد بهذا القدر من الأسئلة، بل أراد معرفة حكاية المرأة مع الإسلام الذي اعتبر أن الإسلام غير مُنصق في حقوق المرأة، في الوقت الذي عرض فيه الكاتب حكاية المرأة ما قبل الإسلام وكيف استطاع الإسلام أن يقدم للمرأة حقوقها.
وفي الفصل الثامن من الكتاب، يتطرق المُلحد إلى “روح الإنسان” لينكر وجود الروح، لأنّ لا دليل ملموساً على حقيقة تواجدها. ويجمع الكاتب بين الفلسفة والدين في إجابته، ففي القرآن الكريم يخبرنا الله أنّ في الإنسان روحاً، ومن الناحية الفلسفية، الروح هي أساس الجسد ومكمن “الأنا”.
يتطرق المُلحد إلى “الضمير” الذي اعتبره من صنعة المجتمع ولا داعي لتقديسه كما يُقدس في الإسلام، لينتقده المؤمن ليوضح أنّ الضمير موجود في داخل الإنسان، يراففه منذ ولادته وحتى مماته. ولو كان فعلاً من صنع المجتمع، لوجدناه لدى شخص ومفقوداً لدى آخر.
ويدور النقاش في الفصل العاشر عن “مناسك الحج”، حيث يرى المُلحد أنّ مناسك الحج عبارة عن وثنية واضحة، ليجيب صديقه أنّ لكل مناسك الحج عبرة من خلالها يجتمع المؤمنون مع بعضهم البعض ويعبدون الله ويتقربون منه.
ودار نقاش مطول بين الطرفين عن القرآن، وعما إذا كان من تأليف محمد وليس كتاباً مُقدساً نُزل على النبي. ثم يتطرق في الفصل التالي إلى موقف الدين من التطور لينتقد الكلام والمصطلحات غير المفهومة في القرآن. ليتحدث عن المعجزة ومعنى الدين ويختمها بأنّ المُلحد يفوز بالأوهام، أما المؤمن فيفوز في الآخرة.
ما أعجبني في الكتاب:
استطاع الكاتب أن يُقدم إجابات منطقية لتساؤلات كانت في بالي كما كانت في بال صديقه الملحد.
بيّن الكتاب أنّ المؤلف فيلسوف وطبيب معاً، أتاحت له الفرصة للحديث مرة بطريقة فلسفية وأخرى بطريقة عقلانية وعلمية، وذلك حسب الموضوع.
استخدم الكاتب مفردات وتعابير بسيطة تخدم الهدف من وراء كتابة “حوار مع صديقي المُلحد” ليفهم الكتاب عامة الناس بوضوحٍ وصراحةٍ تامة.
إضافة إلى ذلك، تطرق الكاتب إلى ١٨ موضوعاً بطريقة ذكية واستطاع أن يربط المواضيع مع بعضها البعض.
ما لم يُعجبني في الكتاب:
كثيراً ما دافع الكاتب عن فكرته وعارض فكرة صديقه المُلحد بطريقة غير مقنعة. مثلاً عندما يتساءل المُلحد عن الجنة والنار، ليس من المنطقي أن يُقدّم المؤمن دليلاً على وجودهما في القرآن أو الاستناد إلى آية معينة، فالمُلحد أساساً لا يؤمن بالقرآن.
ولم يترك المؤمن المجال أمام المُلحد للرد على إجاباته في أغلب الأحيان، ماذا لو أراد إضافة فكرة ما أو التعليق على ما قاله المؤمن؟ كثيراً ما كانت النهاية في صالح المؤمن، لأنه لم يُترك المجال لصديقه للحديث.
والسؤال الأهم: هل فعلاً مجرد طرح هذه التساؤلات تعني الإجابة عنها؟ أعتقد أنّ تلك التساؤلات ستبقى معلقة حتى نعترف ونُدرك أنّ الإيمان ليس له علاقة بالمشاكل الإنسانية ذات الصلة بالكون والطبيعة والحياة، ومن الطبيعي التفكّر والتساؤل عن الخالق.
وهنا أوجه كلامي للكاتب، استناداً إلى القرآن الكريم، {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ }، سورة الذاريات، الآية ٢١. خالقُنا يدعونا للتبصّر، فلا داعي لاعتبار تبصراتنا وتأملاتنا “غبية أو لا معنى لها”.