جدلية حظر الأفلام، مع أم ضد ؟

لطالما عُرفت أجهزة الرقابة الفنية الخاصة بالسينما العربية بتاريخها الطويل في قضية حظر الأفلام التي تنافي القوانين والضوابط الصادرة عنها. لذا فإن قضية مثل قضية حظر فيلم The Post الأخيرة في لبنان لا تعدّ سابقة من أمرها في العالم العربي وخاصة في لبنان. إلا أنه وبالرغم من ذلك فقد أثارت القضية جدلاً إعلامياً وثقافياً واسعاً. وقد يعود الأمر إلى أن الفيلم كان قد حاز على موافقة الأمن العام اللبناني وأجهزة الرقابة في بادئ الأمر، إلا أن أنصار حملة “مقاطعة الكيان الصهيوني الإسرائيلي” هم من أشعلوا هذه الشرارة.
ويرجع سبب الحظر إلى أن مخرج الفيلم “ستيفن سبيلبرغ” كان قد صور مشاهداً من أفلامه السابقة في القدس. كما ويعرف عنه أنّه ممول رئيسي للحكومة الإسرائيلية، إذ سبق و تبرع لإسرائيل بمبلغ مليون دولار في حرب تموز 2006 مع حزب الله في لبنان والتي أسفرت عن خسائر لبنانية بشرية ومادية كبرى. وبناءً عليه فقد أُدرج اسم “ستيفن سبيلبرغ” في لائحة لمكتب مقاطعة إسرائيل التابع لجامعة الدول العربية والتي تلتزم بها لبنان.
وفي هذا السياق – وبغض الطرف عن ازدواجية الكيّال وعن أن قوانين هيئة الرقابة الفنية فضفاضة وذات ثغرات قانونية كثيرة مما يجعلها عرضة للتلاعب والتأويل- إلا أن المعيار الرئيسي للرقابة الفنية النزيهة لتقييم مدى قانونية أي فيلم، يجب أن يكون محتوى الفيلم نفسه، أما حظر الأفلام بناءً على خلفيات طاقم العمل الثقافية أو الدينية، أو ممارساتهم وعلاقتهم الحياتية، فإن هذا منافٍ للمنطق والأخلاقيات. إذ أنه وكما هو معروف في علم المنطق والتفكير النقدي، صاحب الأطروحة الخاطئة يسعى إلى استخدام معطيات خاطئة أو مغالطة منطقية ليمنح أطروحته السداد والصحة، وهذا هو ما حدث في هذه الحالة ، إذ أن المعطيات التي طُرحت ليمنع بسببها الفيلم لا تقود إلى النتيجة النهائية، وهذه هي مغالطة “عدم الترابط” المنطقية المعروفة. ناهيك عن أن معظم مخرجي وممثلي هوليود على ارتباط صريح بإسرائيل، وجزء من الأرباح يعود إلى إسرائيل بشكل أو بآخر، وعن أن هذه المقاطعة وتبعياتها لن تسمن ولن تغني من جوع، ولن تؤثر على إسرائيل ولا حتى مثقال ذرة واحدة.
وعن المبررات الأكثر شيوعاً لحظر الأفلام والأعمال الفنية في الوطن العربي، وبالرغم من أن الأمر عادة ما يحدث ليصب في مصلحة الأنظمة السياسية بشكل أو بآخر، أو بالأصح يحدث الحظر ليصقل النظام السياسي واجهته بين أقرانه وأمام أفراد شعبه، إلا أنه يُبَرَّر بالمحتوى غير اللائق (دينياً/اجتماعياً/أخلاقياً/سياسياً) والأخيرة عادة ما يتم تجنب ذكرها.
إن جميع الأسباب السابقة لا تشكل مبررات كافية للدولة/هيئة الرقابة للتحكم في عقول المشاهدين البالغين، فمن حق المواطن/المتلقي اختيار المادة التي يريد تلقيها بحرية كاملة. و كما قال الناقد الفني رامي العقاد: “ليس جديداً على الرقابة منع أفلام من العرض، فلها تاريخ طويل في ذلك، لا بد أن نكون مع الحرية المسؤولة، لكن على الرقابة أن تعي أيضاً أن الجمهور يقوم بشراء تذاكر السينما ليشاهد ما يريده”.