بين الهندسة والعود: أنغام تنجب الشغف والحب

26 أكتوبر 2016

 

بعيون لامعة وابتسامة براقة وأنامل حالمة وشغف لامحدود، يحتضن محمد الطلافحة ابن الـ 25 عاماً صديقه الصدوق صندوق أسراره عوده الشجي. فما تلبث العين الناظرة إلى محمد إلا وتراه يحمل حقيبة سوداء يحتفظ بها بأغلى قطعة لديه ألا وهي آلته الموسيقية التي تجرع حبها حتى بات يجري في شرايينه.لا يحملها فقط بل يحمل ما تحمله في طياتها من ذكريات وحب وعبق.

في مشهد آسر وتحديداً إذ تتوجه إلى اقصى شمال المملكة الأردنية الهاشمية في جامعة العلوم والتكنولوجيا، ترى عدداً من الطلبة يتحلقون حول محمد، يلهجون بعبارات التشجيع والتصفيق والفرح، لتتفاجأ بأن من قد أضفى جو الفرح بموسيقاه تلك يكمل رسالة الماجستير في الهندسة بتوازٍ مع موهبة لديه عشقها كل من عرفه. ليحقق ما يصبو اليه من درجات تعليمية، بالإضافة لمواهب متعددة ومبهرة.

لا جرم أن لتلك الموهبة تسلسلاً زمنياً بدأ مع أذن موسيقية يمتلكها محمد. فمنذ نعومة أظفاره كان يستمع إلى أغاني الطرب القديمة لأم كلثوم وعبد الحليم.  وقد عزز والده انجذاب محمد للموسيقى عن طريق كتاب يعنى بتعليم النوتات الموسيقية كان قد اشتراه له.

ويرى محمد أنّ والده كان له دور كبير في تحفيز موهبته، فقد مكنه من الاشتراك بدورة لتعلم العزف على العود بمعدل ثماني ساعات أسبوعية تعلم من خلالها المقامات الموسيقية المختلفة، لينتقل به والده عبر هذه الدورة من مرحلة استكشاف الموسيقى إلى مرحلة تعلمها وهو بدوره من وفر له أول عود امتلكه ليدخل محمد بذلك غمار مرحلة جديدة الاحتراف.

يعزف محمد اليوم مع فرقة محترفة هي فرقة جامعة العلوم والتكنولوجيا، وقد أدى أيضاً مقطوعات موسيقية على مسارح عدة في مناسبات مختلفة عداعن مقابلة أجريت معه عبر أثير إذاعة إربد الكبرى.

المهندس الذي اعتاد أن يربط الأمور ببعضها بأسلوب علميّ مبتكر تراه يستغل موهبته بالعزف على العود استغلالاً إنسانياً عن طريق العمل التطوعي، موظفاً أوتار العود في رسم الفرحة على وجوه الأطفال اللاجئين في مخيماتهم، واصفاً شعوره بغير العادي، مخبراً عن ابتهاج الأطفال بأغنياته، مما يجعله يسمو بموهبته من أنغام إلى العود الى فرحة يهديها لطفل لاجئ حرمه ظلم الحياة وجورها بريق الابتسامة، ولتتحول يد محمد الضاربة على أوتار العود إلى يد بيضاء تشعّ بالفرح.

أبرز الأمور التي شجعت محمد على تطوير موهبته هي مشاركة توأمه بشار له. فبشار ومحمد روح في جسدين إلا أنّ بشاراً يجيد مهارة العزف على البيانو، لتجدهما يشجعان بعضهما البعض، ويزيدان الحماسة لدى بعضهما كلما مارسا هوايتهما، الأمر الذي جعل محمد يزداد شغفاً حيال فنه ومقطوعاته.
   
بضحكة طويلة، يستذكر محمد أطرف مواقفه في رحلته مع صديقه العود، التي بدأت منذ أكثر من إثنتي عشرة سنة، حيث تكسر العود بين يديه من شدة انسجامه مع الألحان، إلا أنه يضحك مجدداً قائلاً: إفسادي للعود كان لصالحي؛ فقد تسبب في شرائي واحداً جديداً أكثر تطوراً واحترافية.

يجيب محمد عن علاقته بأنغام العود، فيقول المقطوعات تقودني وأقودها. أنا شكلها وهي التجلّي الحر. كلما ضربت بأصبعي على أوتاره ترد عليّ تلك الأوتار وكأنها علاقة قدرية أشعر بأوتاره تخاطبني وأخاطبها، فألجأ اليها كلما أثقلت الحياة كاهلي، لأجدها الأم الحاضنة. فحينما يحزن يلجأ إلى مقام الصبا، وحينما يفرح يدندن بالراست.

يأمل محمد في أن يجد العلاقة بين الهندسة والعود، وأن يربط بينهما برابط فني علمي متأنق يكون هو رائده لكي يظل يرسم الابتسامة على وجوه أقاربه وأصدقائه ومجتمعه. يقول محمد “التغيرات السريعة تنجب طفرة، والتغيرات البطيئة تنجب ثورة، فلتطور نفسك ببطء وثبات وصبر واتزان، لتكون ثورة من الإبداع في محيطك.”

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM