اللغة العربية والهوية وجهان لعملة واحدة

ارتباط الهوية باللغة العربية يطرح تحدياً جديداً للعالم العربي للحفاظ عليها في ظل العولمة. ما هو واقع اللغة العربية؟ وهل يتأثر ارتباط اللغة العربية بالهوية؟
أخذنا دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً، كونها بلاد متطورة ومتقدمة وتحتضن أناس من مختلف الجنسيات واللغات، كما أن هناك عدد كبير من الجاليات العربية. طرحنا بعض الأسئلة على المقيمين والمواطنين حول مفهوم ارتباط اللغة العربية بالهوية، فكانت النتائج كالتالي: 72% أجابوا بأنهم لا يمكنهم أن ينسوا لغتهم الأم رغم حياتهم في بلدٍ أجنبي و55% منهم قالوا أنَّ اللغة العربية يجب تعلمها في بلدان الاغتراب للحفاظ على الهوية. لكن ما هو واقع تعليم اللغة العربية؟
في البداية لا بدَّ لنا أن نذكر أنَّ مجال التعليم الخاص في الإمارات قد يكون سبباً من أسباب ضعف اللغة العربية كلغة أولى ينطق بها العرب المقيمون هنا. يتم تدريس اللغة العربية كلغةٍ ثانوية، مركزين على اللغة الأجنبية كلغة أولى، حيث تلجأ معظم المدارس الخاصة للتدريس باللغة الأجنبية، منذ الصف الابتدائي، مهملةً بذلك اللغة العربية. لذا، كان تعليم الأطفال اللغات الأجنبية، وبالذات الانجليزية، حجة لجعلهم أكثر قابلية للتكيف مع تطورات العصر وما تستدعيه الحاجة إلى الانجليزية في العمل.
ونظراً لقلة الساعات التدريسية المخصصة لمقرر اللغة العربية، هذا إلى جانب ضعف ممارسة الطالب لها داخل المدرسة، تحدثت ز.ف. – أم لثلاثة أولاد ومقيمة في الإمارات – عن ضرورة إتقان الأطفال اللغة العربية وذلك للتأكيد على هويتهم العربية، وأنهم عرب، كما أنّ اللغة العربية هي التي تساعدهم في التعامل مع الغير بشكلٍ أفضل. وقالت :”خًصت لأولادي أستاذ في مادة اللغة العربية لتقويتهم، ولحثّهم على التكلم معي في المنزل باللغة العربية، ففي النهاية أنا وزوجي لبنانيان، هويتنا عربية، ونتكلم اللغة العربية، كما وأنَ أقاربنا لبنانيين، لذا من الضروري أن أعلّمَ أولادي اللغة العربية”. ومن جهةٍ ثانية، أكّدت الأمّ على أهمية المناهج التربوية التي تضعها دولة الإمارات فقالت:” المناهج هنا صعبة على الأولاد تعلّمها. فالأستاذ الذي يدرسهم اللغة العربية أكد لي ذلك، مثلاً يعطونهم قراءات ومطالعات أكبر من سنهم لحثّهم على الصعوبة “. وأضافت أنّها تعمل جاهدة مع المدرّس الخصوصي لتقوية اللغة العربية لدى أولادها ليتمكنوا من تعلّمها لاحقاً في المدارس، ومن النجاح بها كمادة تعليمية، ويكونوا أيضاً قادرين على التعبير من خلالها.
إضافةً إلى ضعف المناهج التربوية، تشكّل هيمنة اللغات الأجنبية التي تتحدّث بها العمالة الأجنبية التي يستعان بها في مختلف الميادين والمجالات في أقطار الخليج العربي سبباً إضافياً لضعف اللغة العربية . لم يقتصر استعمال اللغات الأجنبية، والإنجليزية خاصة، على أفراد المجتمع بل تجاوزهم، فطغى على لافتات المحال التجارية والفنادق والمطاعم وغيرها، كما وعلى الإعلانات المنتشرة في الطرقات.
وللحد من تلك الظاهرة وتثبيت قيمة اللغة العربية، أعلنت إمارة دبي عن إطلاقها مبادرة بهدف ترسيخ قيمة اللغة العربية، وحفظ وحماية حقوق المستهلكين، توجب من خلالها أصحاب المنشآت التجارية استخدام اللغة العربية باعتبارها اللغة الأم والرئيسية في قوائم الفواتير ولوحات وبطاقات الأسعار والإعلانات، إضافة إلى أي لغة أجنبية.
وفي سؤالنا عن أهمية اللغة بالنسبة للعرب المقيمين في دولة الإمارات، أكّد 80 في المائة من العينة (خمسين شخصاً) على وجود علاقة قوية بين الهوية واللغة. وهذا يدل على شبه إجماع على ارتباط الهوية بشكل أساسي باستخدام اللغة العربية.
في هذا السياق، اعتبرت الطالبة في الجامعة الأميركية في دبي فريدة خليل أنّ اللغة تربطها بهويتها فقالت: “أشعر أني مرتبطة بهويتي رغم معرفتي الضئيلة باللغة العربية، فأهلي قرروا ارسالي إلى مدرسة دولية حيث كانت اللغة العربية مهمشة. ورغم كل ذلك، أشعر حين نجتمع مع عائلتي أنه هناك شيئٌ يربطني بهم”.
من جهة أخرى، اعتبرت الطالبة فرح البحراوي أنَّ اللغة لا ترتبط بمفهوم الهوية فقالت:” أنا ولدتُ في مصر لكن عشت بقية حياتي الى الآن في دبي. كلّ محيطي كان باللغة الإنكليزية. فاللغة لا ترتبط بالهوية. فهناك عناصر كثيرة تساعدك في تعريف نفسك”، معتبرةً أنها مصرية وعربية بغضّ النظر عن إجادتها للّغة.
كذلك اعتبر 90% من العينة أنَّ اللغة العربية هي من عناصر الهوية و55% أقروا باعتبار اللغة العربية يجب أن تعليمها في بلدان أجنبية حيث يقيم العرب للحفاظ على الهوية. وفي سؤالٍ لهم عن اللغة التي تمثّلهم وتمثّل هويتهم، أجمع 90% منهم على أنَّ اللغة العربية هي التي تمثلهم وتمثل هويتهم.
الصورة: موقع جريدة البيان