الفن ملجأ ضحايا الإعتداء الجنسي

لوحة بريشة فريال بسيسو. 25-11-2019

خوفاً من المجتمع وكلامه ولومه ونظرته، تحبس فريال كلماتها بين شفاهها والدمع يغمر عينيها. تحمل ريشتها بين أصابعها وتهرع بغمسها بألوانٍ تبوح عن آلامها، عن كل صرخةٍ وغصةٍ كبتتهم خشيةً من الفضيحة واللوم. ألوانٌ تعكس قصتها وقصة الكثير من الأشخاص الذين وقعوا ضحيةً للإعتداء الجنسي.

وتروي فريال (اسم مستعار، لتمنعها من ذكر اسمها الحقيقي لدوافع شخصية)، فتاة الثمانية والعشرين عاماً، قصتها من خلال لوحاتها. وتشرح فريال قصتها، عبر مقابلة هاتفية، قائلةً إن” لم يجرؤ لساني على النطق، فالأجدر بلوحاتي أن تتكلم”، وتتابع “منذ خمسة عشر عاماً تعرضت لأنجس وأبشع جريمة، من قبل شخصٍ كان من المفترض أن يكون مصدر الحكمة والموعظة. فجدي الذي كنت أزوره في منزله كل فترة، كان يتعدى علي. لكنني لم أكن أستوعب أنذاك ما الذي كان يقوم به، حتى أن كبرت قليلاً وفهمت أنني وقعت ضحيةً للإعداء الجنسي من أقرب الناس إلي”.

وفي ذلك الوقت، لم تستطع فريال البوح بالحقيقة، وتقول إنني “لم أتجرأ على قول كلمة واحدة، فالمجرم، لن أدعوه جدي، لم يكتفي بفعلته، فطال ابنة عمي التي تكبرني بسنتين. وبعد عدة سنوات أخبرت عائلتها بالأمر لكنهم لم يصدقوها، فتجرأت وتكلمت عن الموضوع علناً للناس من حولها، فطردها عمي لأنها جلبت العار لعائلتنا”.

ومنذ ذلك اليوم، وفريال تكتم سرها بداخلها خوفاً من عائلتها، لكنها لجأت للرسم كنوع من المعالجة النفسية. وتقول فريال “في عمر الرابعة عشر بدأت أرسم لا إرادياً لوحاتٍ تعكس تفاصيل الأحداث التي مررت بها. كنت أشعر بأنني أفرغ طاقتي وألمي بهذه اللوحات”. كان الرسم بالنسبة لها “المهرب الأول” و”الصديق الأوفى”، الذي يسمعها ويتقبلها كما هي.

وفي الآونة الأخيرة، بدأت فريال بنشر بعض رسوماتها على موقع التواصل الاجتماعي “انستغرام” بصفحة تدعى Artxtherapyx’‘ (المعالجة بالفن). صفحة أسسها طالبات الاتصال المرئي بالجامعة الأمريكية في دبي، تيما بركات وإلهام الدويك وسحر غافامي، على موقع “انستغرام” منذ ستة أشهر. مشروع يهدف إلى تحفيز ودعم ضحايا الإعتداء الجنسي.

وفي التسجيل المرفق، يعبر بعض المتابعين عن آرائهم حول الصفحة، قائلين:

وتشرح الطالبة تيما بركات مدى تأثير الفن على نفسية الشخص، قائلةً “عندما أخبرت صديقتي فريال بمشروعنا، تحمست وتشجعت بأن تروي لي قصتها التي مازالت تتستر عليها. لكن الفن شجعها على تطوير وتقوية شخصيتها وتحسين نفسيتها، فالرسم نوع من أنواع الكلام الغير مباشر”.

وتقول الطالبة سحر غافامي إن “المعالجة بالفن لا تقتصر على الرسم فقط، فالموسيقى والكتابة أيضاً أنواع من الفن، الذي يساعد ضحايا الإعتداء الجنسي على إطلاق صرخة الألم التي بداخلهم”. وتضيف “أعرف صديقاً لي، لن أذكر اسمه، كانت تتحرش به أنسته وهو صغير. وعندما كبر، لجأ للكتابة الحرة التي تحرره من قيود المجتمع. فيكتب مايشاء بلا أن يلام”.

صفحة المعالجة بالفن على موقع انستغرام @ARTXTHERAPYX

وفي التسجيل الصوتي المرفق، تشدد الطالبة إلهام الدويك على كمية اللوم، الذي يتعرض إليه ضحايا الإعتداء الجنسي من المجتمع، فتقول:

وتستمر الدويك في حديثها، قائلة “ونحن من خلال الصفحة التي أنشأناها على انستغرام، نهدف إلى إيصال صوت الضحايا لأكبر جمهورٍ ممكن. ونرغب بتشجيع الضحايا لتوصيل رسالتهم، رسالة الألم والعذاب الذي يعيشونه كل يوم”. فغالبية الضحايا قطعوا صلتهم بالكلام، ولجأوا إلى طرق أخرى إيجابية تخرجهم من حالتهم كالرسم والأعمال اليدوية والموسيقى والكتابة. وبذلك أصبح الفن ملجأ ضحايا الإعتداء الجنسي.

ويذكر أن مصطلح “المعالجة بالفن” ظهر في بداية القرن العشرين على يد المدرسة الأمريكية مارغريت نومبورغ، والملقبة ب “أم الفن العلاجي”. وقد أسست نومبورغ مدرسة للأطفال في مدينة نيويورك، تفسح لهم المجال للتعبير عن أنفسهم من خلال الفن. وألفت نومبورغ العديد من الكتب في هذا المجال مثل: “العلاج الفني المُوَجّه ديناميكياً: مبادئه وممارساته” و “دراسات عن التعبير (الحر) المرتبطة بمشكلة سلوك الأطفال كوسيلة للتشخيص والعلاج” و”فنّ الفِصام: معناه في العلاج النفسي“.

وفي الإمارات تعتمد العديد من المراكز النفسية طريقة المعالجة بالفن، لما فيه من إيجابيات تنعكس على شخصية الإنسان ونفسيته. وفي دبي يوفر مركز “سول” للفن، أساليب مبتكرة تمكن الإنسان من التعبير عن مشاعره بحرية كاملة. ويعتبر المركز الأول من نوعه في دبي، فتقول مديرة المركز، لمى مارديني، في مقابلة خاصة، إن “في مركزنا نعتمد الفن العلاجي الذي يدمج بين الرسم والرقص. وقد أنشأنا ورشة body movement (حركة الجسم)، التي تتركز على تحرير الجسم والأفكار المنغلقة بداخلنا. فنطلق العنان لمخيلاتنا وندع الرسم وحركاتنا تعكس مشاعرنا”.

أحد المشاركين في ورشة حركة الجسم بمركز سول للفن بدبي. 20-04-2019

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM