العمل بعيداً عن الاختصاص الجامعي، كابوس يلاحق الخريجين

Terrence Thomas, Unsplash
“تعليق شهادة الهندسة على الحائط ساهم في بناء مستقبلي في الإعلام” لم يعلم خالد أن حاله سيكون مثل حال أغلب الشباب في الوطن العربي, خريج هندسة يعمل في مجال آخر بعيد كل البعد عما درسه. هل كان السبب هو اختياره الخاطئ منذ البداية لانسياقه تحت مفاهيم العمل المناسب والسمعة الجيدة؟, أم لقلة فرص العمل في مجاله تحديداً ما دفعه للإعلام؟.
بعيداً عن أزمة كورونا، والفترة الصعبة التي يعيشها أغلب مجتمعات العالم بسبب الفايروس، يتطرق هذا التقرير إلى موضوع يشغل بال الشباب الخريجين. بين تخرجهم من الجامعة وحصولهم على معدلات عالية، وبين خوضهم سوق العمل باختصاصاتهم وشهاداتهم وعدم اضطرارهم للعمل بمجال غير مجالهم. لذا قابلنا مجموعة من الشباب ليطلعونا على تجربتهم بالعمل بغير اختصاصاتهم.
خالد غنايم (28 عام) سوري الجنسية، ولد ودرس في الشام إلى أن أكمل دراسته في الهندسة المدنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بدأ مسيرته الإعلامية عام ٢٠١٤ كمقدم ومعد برامج في إذاعة العربية. يصف غنايم نفسه بأنه شاب محب للاطلاع وتعلم كل ما هو جديد حيث منذ صغره كان لديه ميول لكتابة وتلحين الأغاني عدا عن غنائها.
ويعلق غنايم على “المفارقة” التي عاشها بعد تخرجه كمهندس مدني وعمله في مجال الإعلام أن كل ما حدث هو “محض صدفة” حيث في إحدى أيام عمله كمسوّق عرضت عليه زميلة له العمل في إذاعة افتتحت مؤخراً في دبي. ومن هنا وضع غنايم أمام خيارين إما أن يكمل مسيرته كمهندس مدني أو أن “يعلق شهادته على الحائط” ويستغل الفرصة التي تأتي مرة واحدة فقط. ويرى غنايم أن عمله كإعلامي ساعده على فهم الحياة بطريقة مختلفة حيث اطلع على مجال جديد واكتسب الخبرة الكافية ليرسم مستقبلٍ له منحى آخر موازناً بين ما تعلمه كمهندس وإعلامي معاً, أما بالنسبة للهندسة فهي سلاح يستخدمه إذا لزم الأمر في المستقبل. ويضيف غنايم قائلاً إن موهبة الفرد هي التي تقوده دائماً وتساعده على مواجهة المجتمع وخوض التجارب الجديدة، وعن نفسه لا ينتقص أبداً من أهمية الدراسة الأكاديمية للإعلام باعتبار أن موهبته لعبت دوراً كبيرا في مسيرته بل يرى أن كل مجال وله أسس تدرّس ولكن لا يمكن تطبيقها والإبداع بها إلّا بالموهبة، سواءً أكنت مهندساً، طبيباً أو إعلامياً. ويعقب لو أنها أتيحت له الفرصة منذ البداية لما درس الهندسة واتجه إلى مجال فيه “إبداع” أكبر، إلا أنه تربى على أهمية الألقاب والمسميات الوظيفية فاضطر على دراسة الهندسة. وأنهى غنايم اللقاء برسالة يوجهها لكل الشباب, “اتبع شغفك, واخلق مجال للابداع” مهما كلف الأمر فالمادة تأتي وتذهب أما حب العمل هو الأساس.
من جهة أخرى يضيف أحمد جبور (٢٤ عام) سوري الجنسية وخريج هندسة مدنية في لقاء خاص، أنه بعدما تخرج من الجامعة الأمريكية في دبي لم يلقى الوظيفة وبيئة العمل المناسبين لتأسيس حياته كما أنه لم يجد العرض الوظيفي المناسب ليكمل حياته في ظروف ملائمة وهو شاب يمكث وحيداً بعيداً عن أهله في دبي “الحياة بدبي صعبة وبتطلب مال كثير، وصراحة وصلت لعمر ما بقدر أطلب فيه من أهلي دعم مادي فلازم اعتمد على حالي” هكذا أضاف جبور. فاضطر جبور لأن يسلك طريقاً آخراً بعيداً عن الهندسة المدنية، فكانت وظيفة التسويق الالكتروني هي الملجأ لجبور، حيث رأى فيها جانب يحبه ويمكن له الابداع فيه كما أنها تدر له مدخل جيد مادياً. ويردف جبور “صحيح أنا رح ابدأ بهذا المجال كمتدرب براتب بسيط جداً، ولكن أنا على يقين أنو هالخطوة رح تفتحلي أبواب كثيرة للأمام”. كما ينصح جبور جميع شباب جيله باتخاذ قرارت صحيحة من البداية واللحاق بحلمهم وعدم التقيد بخيارات من الممكن أن تؤثر سلباً على بناء مستقبلهم فيما بعد.
أما من وجهة نظرٍ مغايرة، يقول بطرس الحايك: “من وجهة نظر شخصية أنا خريج إدارة أعمال، تخرجت من حوالي سنة، حاولت إني لاقي وظيف مناسبة ولكن أخذني القدر إلى العمل كموظف في خدمة المتعاملين في شركة النقليات Fedex” هذا ما قاله الحايك (٢٢ عاماً) لبناني الجنسية في لقاء شخصي معه. ويضيف بأنه على الشباب عدم اليأس ومواجهة الواقع دائماً بالإضافة إلى محاولته أن يكمل طريقه دائماً بالشهادة التي قضى سنيناَ من حياته للحصول عليها، فهي دائماَ تبقى الملجأ الأساسي الذي يعود إليه الشاب عند إغلاق جميع الأبواب في وجهه. كما يعتبرها الحايك هي منطقة الأمان حيث أنّها تمنع أي مشقة على الشباب في مواجهة أي عمل آخر أو تجربة أشياء بعيدة عن اختصاصاتهم، إلا إذا كانوا فعلاً “متيقنين من خياراتهم ولديهم ميول أخرى، ولكن وجود شهادة جامعية في يدك تعتبر تأشيرة دخول مجانية لمجالها وأوسع من نطاقها أحياناً، فعملي في مركز خدمة العملاء هو أكبر مثال”. ويردف أنه لا يشعر بالفشل بعمله بهذا المجال لأنه يعتبر من مجال الأعمال أيضاً، ويكسبه خبرة كبيرة حالياً بسوق العمل تتيح له العمل بمجال أكبر يطمح له لاحقاً، “فلا تخاف من البداية الصعبة أحيانا، والتي من الممكن ألا تخدم توقعاتك، ولكن ابدأ الآن لكي تحصد ثمار خبرتك لاحقاً” يختتم الحايك.
هذه كانت بعض الأمثلة عن شبابٍ قرروا أن يسلكوا طرقاً بعيدةً عن اختصاصاتهم الجامعية آملين ببناء مستقبل “مريح”، مطرفين النظر عن جميع القيود ونظرات المجتمع والسنوات التي ضاعت من حياتهم في الدراسة للحصول على شهادة جامعية، ولكن اتخاذ قراراتهم بتحمل المسؤولية وسلك طرق مغايرة من الممكن أن يصب بمصلحتهم كما حصل مع غنايم تحديداً وكما يحاولانه جبور حالياً. والحايك الذي قرر أن يبقى في “بر الأمان” ويسلك مجاله على أمل أن يحصل على ترقية ويحقق حلمه في المجال ذاته.