العامل النفسي لوحوش الطفولة وحوش الطفولة وتأثيرها النفسي

رسم تعبيري بعنوان "مخاوف طفل غير واضحة (مغبشة)" يشرح المخاوف المربكة التي تشتاح الأطفال حين مواجهتهم الوحش الذي لم يروه من قبل. 02 آذار (مارس) 2020. رغد مراد

في العديد من الثقافات، يروي الآباء حكاياتٍ مخيفةٍ عن الوحوش الخيالية التي ستظهر لأطفالهم في حال أساءوا التصرف. هذه الحكايات التي كانت تهدف إلى جعل الأطفال يأكلون أو ينامون في الوقت المحدد، قد أصبحت أكثر من مجرد طريقة تربوية بسيطة يلجأ إليها الآباء حول العالم. ففي بلدة صغيرة في الجزائر، كان هنالك فتاة صغيرة تدعى ابتسام سلام تخشى ولأول مرة من العودة إلى المنزل، لأنها كانت تعتقد أن الوحش كان واقفاً خلف باب منزلها الرئيسي.

وعلى عكس معظم الآباء الذين يلجأون إلى الوحوش الخيالية، لجأ سكان بلدة ابتسام سلام إلى تصور شخص حقيقي من الحي كوحش. وكانوا يلقبونه ب “كوكو بالالا” واستخدمه الآباء في البلدة لترهيب أطفالهم وجعلهم يتصرفون بطريقةٍ مهذبة. كان “كوكو بالالا” رجلاً عجوزاً، وكان دائماً يرتدي معطفاً طويلاً وقبعةً ملائمة. كان يتجول في بلدة  أحمر العين في الجزائر، وكان الأطفال في البلدة يخشون الاقتراب منه.

وبعد مرور الوقت، تقول الطالبة الجامعية سلام (21 عاماً) المقيمة في دبي، إنه “لم يجرأ الأطفال على المرور من قربه”. وتضيف “لقد كان مخيفاً حقاً في طريقة لبسه، وكان الآباء مبدعين جداً في رواية قصصهم؛ فمثلاً كانوا يقولون إنه سيأخذنا إلى الغابة ليخلع آذاننا وأعيننا، ثم يرمينا هناك، حتى لا يجدنا [آباؤنا] “.

واكتشفت سلام، بعدما كبرت في السن، أن القصة الحقيقية وراء “كوكو بالالا” كانت تكمن بقصة رجل محطم القلب. فبعد قضائه عاماً ونصف في الجيش، عاد إلى البلدة ووجد أن حبيبته تزوجت رجلاً آخر. ومن بعد هذه الحادثة أصيب باضطرابٍ عقلي، وبدأ سكان البلدة بتسميته بأسماء مختلفة، حتى صوروه كوحش لإخافة أطفالهم. واعتاد بعض شباب البلدة على إلقاء الحجارة عليه، لإثارة غضبه وجعله مخيفاً بالنسبة للأطفال.

وفي المقابل، تعارض مديرة التقييم في معهد وعيادة العلاقات الإنسانية في دبي، سابين رزق، منطق الأهل بالجوء إلى الوحوش لتأديب أطفالهم. إذ تعتقد أن تأديب الأطفال باستخدام الوحوش هو شكل من أشكال الإساءة العاطفية. وتقول رزق عبر مقابلة هاتفية إن “الاعتداء العاطفي له نفس التأثير على الطفل مثل الاعتداء الجسدي” وتتابع “هذا الأسلوب سيعلم الطفل عدم الوثوق بأهله عندما يكبر”.

ووفقاً لرزق فبين سن الثالثة والسابعة ينمو لدى الأطفال نوع من المخاوف الطبيعية، والتي بدورها قد تسبب القلق في بعض الحالات. وتهديدات الآباء لأطفالهم يمكن أن تزيد القلق، كما أنها تتناقض مع مبادئ التربية والتأديب الإيجابي. وتقول رزق إنه “لكي يشعر الأطفال بالأمان لاستكشاف العالم، يحتاجون إلى الشعور بالأمان في المنزل، فهذه الأنواع من التهديدات تثير الصدمة لدى الأطفال”.

وتؤكد أستاذة علم النفس في الجامعة الأمريكية في دبي، فيولا ويبر، وهي أم لطفلين أن “فكرة وجود وحش مستلق تحت سرير طفلك أو في خزانة ملابسه أمرٌ خطير للغاية. فيفضل على الآباء أن يلجأوا إلى الطرق الإيجابية لتحسين سلوكيات أطفالهم ليكونوا قدوة لهم،عوضاً عن ممارسة الترهيب والقمع”.

ويتذكر الطالب الجامعي محمد عليان (21 عاماً) في دبي، قصة من طفولته في الأردن عندما روت والدته قصة خيالية لرجل ذو ساق واحدة يدعى “أبو رجل مقطوعة”، لتخيفه هو وأبناء عمومته. ويشرح تأثير القصة قائلاً “بدأت فيما بعد بسماع أصواتٍ غريبة قادمة من متسول لم أتمكن من رؤيته في تلك الليلة، وكنت خائفاً للغاية”.

وأما في أحمر العين في الجزائر، لا يزال الأطفال في المنطقة خائفين من ما يسمى بالوحش، على الرغم من أن الرجل توفي قبل عدة سنوات، حسبما ذكرت سلام. ولا تزال “كوكو بالالا” أسطورة مخيفة بسبب الأوصاف الحية للرجل وسلوكه الغريب، الذي اختلقه الآباء لجعل أطفالهم يتصرفون بشكل أفضل.

ترجمة: ليندا أبو بكر

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM