الطائفية .. وهلأ لوين؟

كم من وطن ضاع بسبب إقتتال أبناءه فيما بينهم؟ كم من أم بكت إبنها، ليس لشيء إلا حقد مقيت. نستطيع أن نغوص أكثر وأكثر، ونذكر نماذج مختلفة، (ولكننا اليوم نتساءل مع نادين لبكي) “هلأ لوين؟”

في لبنان، ذلك البلد الصغير الذي ينتمي أبناؤه لأديان وطوائف متعددة، تدور فيه أحداث هذه القصة التي تجسد معاناة هذا البلد من الطائفية المقيتة، والتي عطلت – وما زالت تعطل- الكثير من الأمور المهمة لأي بلد، كالوضع الإقتصادي المريح، والتطور والرقيّ في مختلف المجالات. المشكلة لا تكمن في غياب الإبداع، أو قلة المواهب والطاقات، وإنما في الطائفية التي أعمت القلوب، وشتتت الدروب.

في تلك القرية الصغيرة يعيش المسلمون جنباً لجنب مع المسيحين، في علاقة لا يسودها إلا الحب المتبادل. وسرعان ما بدأت الحوادث، حتى بدأت الطائفية تظهر، لتعكر صفو الحياة في هذه القرية. ولم تكن هذه الحوادث الصغيرة هي فقط التي أدت لإشعال الفتنة بل لعبت المشاكل الطائفية خارج محيط هذه القرية دوراً في تحريك هذه الحوادث، وإعطائها أهمية كبرى. هذه المشاكل دفعت نساء القرية لأن يبدءن في تنفيذ الحيل في محاولة لإبعاد الرجال عن الإقتتال، لعل أبرزها حين قرر هؤلاء النسوة إحضار نساء أوكرانيات إلى القرية لإلهاء الرجال، وتنظيم حفلة يقُمن فيها بدس المخدرات في الأكل حتى يضمن إلهاء الرجال، من أجل أن يقوموا بدفن الأسلحة و تخبئتها لتفادي المصائب و تأزّم الأوضاع فيما بينهم.

وبعدما فشلت كل المحاولات، تلجأ كل إمرأة لتغيير دينها، في محاولة يائسة لإجبار الرجال الذين أعمتهم الطائفية على إستيعاب أن الطائفية لا تبني، بل تدمر.

التقييم: 8/10

منذ بداية الفيلم تساءلت عن المشهد، الذي اعتقدت وقتها بأنه غير مهم، وأن الفيلم يبدأ بمشهد كهذا لابد وأن يكون كارثة، ولم أستوعب أهميته إلا في نهاية الفيلم عندما أرجعتنا نادين إليه مرة أخرى. المشهد عبارة عن نساء يمشين في أرض قاحلة، يصلن إلى مقبرة ولكنها مفصولة، وفي نهاية الفلم نعود مرة أخرى لنفس هذه المقبرة ونلمس التغيير.

كثيرة هي المشاهد التي لا يمكن نسيانها، كمشهد الأم التي تخفي –بكل ألم- مقتل إبنها الصغير خارج القرية إثر خلافات طائفية بين المسلمين والمسيحيين، خوفاً من أن يؤدي لإقتتال جديد في القرية، وعندما يكتشف إبنها الكبير الحقيقة ويحاول الذهاب ليأخذ بثار أخيه لذلك تقوم الأمّ بإطلاق النار على رجله لمنعه. هناك أيضاً مشهد تكسير تمثال مريم العذراء، بعد دخول الحيوانات للمسجد، ظناً من المسلمين أن المسيحيين من قاموا بهذا الفعل. كل هذه المشاهد أسهمت في إشراك المشاهد بمدى طغيان الطائفية على النفوس .

ورغم أن المخرجة أظهرت النساء بدور الباحثات عن السلام، بشكل قد يكون مبالغ فيه، إلا أنها أرادت أن توصل مشاعرها الخاصة كأم، وأرادت توصيل الألم والحرقة التي تحس بها الأمهات في خضم هذه الصراعات. كذلك أظهرت نادين رجال الدين في الفيلم كمن يحاول إخماد الطائفية في مشهد يتناقض بحسب وجهة نظر العديدين مع الواقع حيث يلعب هؤلاء الرجال دور سلبي أكثر مما هو إيجابي، ولكن نادين تقول بأنها هي تتمنى أن يكون هذا هو الدور الذي يلعبه رجال الدين في الحقيقة.

من مميزات هذا الفيلم أيضاً أنه يعكس حال العديد من البلدان العربية كذلك، وليس لبنان فقط، ويلعب دوراً هاماً في توضيح أن الطائفية لن تقود إلا إلى التفتّت و الشرذمة و الاقتتال. لهذا يجب على الجميع أن يدركوا تمامًا أهميّة اللحمة بيت أبناء الوطن الواحد والتعاون و التآلف في سبيل الارتقاء ببلدهم إلى أهمّ المستويات على جميع الأصعدة. أمّا في حال أرادوا أن يسألوا: هلأ لوين؟ فليكن الجواب إلى التطوّر، إلى الإنجاز، إلى التغيير.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM