الصحافة و وسائل التواصل الاجتماعي

“إذا سلبنا حرية التعبير عن الرأي فسنصير مثل الدابة البكماء التي تقاد إلى المسلخ” هكذا عبر جورج واشنطن- أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية عن تقديسه لأهمية حرية التعبير عن الرأي في المجتمع هكذا هو الحال في بلاد الغرب. أما هنا في دولنا العربية فإننا نعيش حالة من التكتيم و التعتيم و التقييد عندما يتعلق الأمر بأي من المحرمات الثلاث: السياسة و الدين و الجنس.و قد طال هذا التعتيم و سلب الحريات السلطة الرابعة في بلادنا – أو ما يفترض أن يشكل سلطة رابعة : الصحافة.
هذا وتحتل الدول العربية مراكز متأخرة بين دول العالم فيما يتعلق بحرية الصحافة و الصحفيين تبدأ من رقم 107 للجمهوريّة اللبنانيّة لنصل إلى المملكة العربية السعودية التي اقتربت من قعر القائمة حاملة الترتيب ال 161. و يتشابك انعدام حرية الصحافة في إعلامنا العربي مع غياب موضوعية الإعلام و استقلاله. فأصبح الإعلام العربي خادما للحكومات و صديقا للرؤساء و داعما للسياسيين بدلا من أن يكون صوتا لعامة الشعب و خادما للمجتمع و الحارس الذي لا تغفل عيناه عن التجاوزات و الظلم بحق مجتمعه فلا يتردد في إظهارها و فضحها و الدعوة إلى معاقبة مرتكبيها.
صحافتنا التي يجب أن تكون مثل الألم الذي عندما يعصف بجسم الإنسان ينبه على أن هناك مشكلة و خطر ما فيذهب بنفسه إلى الطبيب ليتداوى، أصبحت تشارك أولياء القرار في إسكات هذا الألم و تسكينه دون معالجة مسبباته أو الإشارة إليها.انتفضت الشعوب العربيّة من خلال الثورات مع مطلع هذا العام لتعلن أنها ملت الصمت و ضاقت ذرعا من الظلم و أنّها على الرغم من اعتيادها على القهر لم تبقى صامتةً مستسلمةً وراضخة لواقع غاب فيه الضمير الانساني بل أصرّت على أن , تسحب البساط من تحت أولياء القهر و القرار فأزالت الكمامات التي قطعت أنفاسها لعقود طويلة و صرخت بملأ صوتها إن “الشعب يريد إسقاط النظام”!! و مع غياب وجود إعلام حر و منصف و موضوعي لجأ الشباب إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثل الـ”فيسبوك” والـ” تويتر” لإيصال صوتهم و نشر رسائلهم و التبليغ عن مطالبهم. و بعد أن عجز صحافيوهم ومراسليهم عن نقل أصواتهم إلى العالم عبر وسائل الإعلام التقليدي من جرائد و مجلات و قنوات تلفزيونية و إخبارية, قرروا أن يخبروا قصتهم بأنفسهم،فخلقوا ما يسمى بـ “سيتيزن جورنالزم”..
هكذا أصبح المواطن هو الصحفي الذي يكتب و يعد و يصور و ينقل الحدث بأدق تفاصيله. لقد تخلص شبابنا من حجة إلقاء اللوم على الحكومات و على البطالة و انعدام الحريات و قرروا أن يصنعوا مصائرهم بأنفسهم و أن ينتزعوا حريتهم انتزاعاً. و أن لا يشتكوا بعد الآن من ضيق الحال لأنهم أدركوا أن بأيديهم يصنعون مستقبلهم و إن عجزت الصحافة عن نقل أصواتهم، فهم سينقلوها بأنفسهم. و بينما كان الشباب العربي في خضم ثورة الـ”ويب 2.0 ” كان الإعلام العربي يمارس دوره السابق في نقل ما يريد أصحاب القرار إيصاله للعامة, ثم ما لبثت الأقنعة أن سقطت.. فبينما كانت القنوات الإخبارية الرائدة تحاول التعتيم على ما يحدث في مصر كانت الدنيا قد قامت و لم تقعد على صفحات الفيسبوك و التويترالتّي كانت تنقل صور الاشتباكات و الاحتجاجات و القتلى و الجرحى ، ما صدم المشاهد العربي، فالصورة اتضحت أخيرا أمام عينيه وشكّلت ثورة الخامس و العشرين من يناير 2011 صفعة قوية بوجهه.. في حين كانت شاشة التلفاز أمامه تعرض صورة مغايرة.
لربما كنا بحاجة ماسة لأن نتلقى هذه الصفعة ليس كمشاهدين و مواطنين عرب فحسب، بل كصحفيين أيضا نعمل أو سنعمل يوما ما لحساب مؤسسات صحفية مسيّسة. احتجنا لهذه الصفعة لندرك و ليدرك أولياء أمرنا كذلك أن المشاهد العربي قد تغير, أن المواطن العربي قد تغير و أوجد لنفسه منفذا و متنفسا بديلا في وسائل التواصل الاجتماعي. و على الرغم من المحاولات المتكررة من قبل الحكومات لإخماد غضبة الشعب بالقوة و قطع الانترنت و حظر الفيسبوك و التويتر, لم يكن من الصعب على الشباب الذي أصبح يتقن اللعبة جيدا إيجاد مخرج من كل مأزق تضعه فيه الحكومة. و لربما كنا أيضا بأمس الحاجة لهذا السلاح العظيم لينتشلنا من ثباتنا و يحطم البعض من القيود التي كبلتنا و كتمت أصواتنا. لقد أثبت هذا السلاح للعالم بأجمع أن الشباب العربي واع و مثقف و أنه لا يرضى الظلم و أن الصمت الذي طال آن له الأوان أن يرحل إلى غير رجعة.
أكثر من 17 مليون عربي حاليا متواجدون على صفحات التواصل الاجتماعي لذلك لابد أنّهم و بدون أدنى شك سوف يغيرون وجه الصحافة في الوطن العربي أجمع .لا تعني وسائل التواصل الاجتماعي مجرد منفذ و مكان جديد للتعبير عن الذات فحسب, بل إنها تعني بالضرورة أن هناك 17 مليون عربي رقباء على مصداقية الصحافة و شهود عيان في المشهد و الوطني و السياسي و هم أيضا مصادر يتوجب على الصحفيين اللجوء إليها و مصادقتها و نقل صوتها.
نحن الآن سواء كصحفيين و كمواطنين عرب نشهد على حقبة التغيير و الانقلاب الجذري في النظم و الحكومات. نعاصر زمنا تغير فيه المواطن العربي و أصبح أكثر وعيا و إدراكا لقدرته على قلب الموازيين و نقل الحقائق. نختبر وقتا خذلت فيه الصحافة التقليدية المواطن العربي و همشته على حساب مصالح حكومات و نظم ما لبثت أن سقطت تحت وطأة غضبة الشعب. نعيش زمنا أثبتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي أنها سلاح يصنع المعجزات و يخترق كافة الحواجز و الخطوط الحمراء. فعلينا كصحفيين أن نسخرها لخدمة هذه المهنة و لصالح المجتمع الذي اخترنا أن نكون صحفيين للنهوض به. .”
Please follow and like us: